لا أحبذ أبدا الاكتفاء بالاحتفال والتهليل كل عام لاعياد تحرير سيناء، بل على العكس أرى الأفضل والأصلح هو التنبيه والتذكير والتركيز على سيادتنا المجروحة والمنقوصة هناك، بموجب القيود التى فرضتها علينا اتفاقيات كامب ديفيد، والتى لا تزال سارية حتى يومنا هذا. لعلنا نتمكن فى يوم قريب من التحرر منها.
***
وفى هذا العام ساتناول هذا الموضوع من خلال عرض الحقائق التى تخص سيناء والتى حرص حكام مصر وكل مؤسساتهم على حجبها عن غالبية الراى العام المصرى على امتداد ما يقرب من 45 عاما، وفيما يلى اهمها:
· فى اتفاقية فض الاشتباك الاول بيننا وبين (اسرائيل) فى 18 يناير 1974، وافق انور السادات على سحب القوات المسلحة التى عبرت قناة السويس خلال الحرب، وإعادتها مرة اخرى الى غرب القنال. ولقد كان لنا فى سيناء بعد توقف الحرب ما يقرب من 80 الف جندى مصرى، تم اعادتهم ليتبقى لنا 7000 جندى فقط، وكان لنا ما يزيد عن 1000 دبابة تم اعادتها ليتبقى لنا فى سيناء 30 دبابة فقط. وهو ما كان له أثر بالغ السوء على مفاوضات السلام التى جرت بعد ذلك فى 1979، حيث لم تسمح لنا (اسرائيل) سوى بـ 26 الف جندى و230 دبابة، أى بما يقرب من ربع القوات التى عبرنا بها بدمائنا رغم عن أنف العدو.
· فى اتفاقية فض الاشتباك الثانية الموقعة فى اول سبتمبر 1975، وافق انور السادات على اعطاء العدو الامريكى موطئ قدم فى سيناء لأول مرة، وهو العدو الذى انضم الى (اسرائيل) ضدنا اثناء الحرب، فسمح لهم ان يدخلوا 200 مراقب مدنى امريكى لتكون لهم مسئولية الاشراف والمراقبة للفصل بين القوات فى سيناء.
· فى اتفاقية السلام الموقعة فى 26 مارس 1979 وفى المادة الرابعة منها، تم تكبيل مصر بسلسلة من القيود العسكرية والامنية؛ فتم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، بحيث لم يسمح لنا بتواجد عسكرى حقيقى الا فى المنطقة (أ) المتاخمة لقناة السويس، اما فى المنطقة (ج) المجاورة للحدود الدولية فلا يسمح لنا الا بشرطة مدنية فقط.
· اما عن الوضع الحالى الذى تنتشر فيه القوات المسلحة المصرية فى المنطقة (ج) لتكافح الجماعات الارهابية، فهو يتم بالتنسيق مع (اسرائيل) وبعد موافقتها.
· القوات الاجنبية الموجود فى سيناء التى تراقب قواتنا المسلحة هناك، لا تتبع الامم المتحدة ولا تخضع لها، وانما تتبع الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، ومديرها يجب ان يكون على الدوام سفيرا فى الخارجية الامريكية، والمدير الحالى هو السفير الامريكى ر. ستيفن بيكروفت والسفير السابق كان السفير الامريكى ديفيد ساترفيلد، وهكذا.
· صرح آفى ديختر وزير الامن الداخلى الاسرائيلى عام 2008 فى احدى محاضراته، ((باننا انسحبنا من سيناء بضمانات امريكية للعودة اليها فى اى وقت اذا تغير النظام فى مصر لغير صالح اسرائيل، وان هذه الضمانات هى اخلاء ثلثى سيناء من القوات المصرية وان قوات المراقبة فى سيناء هى قوات حليفة لاسرائيل.))
· ان هذه القيود المفروضة علينا فى سيناء هى السبب الحقيقى وراء كل الجرائم التى تقع هناك بدءا بالعمليات الارهابية واعمال الاختراق والتجسس، وانتهاء بتجارة الرقيق والسلاح والمخدرات والاعضاء البشرية، وبالتالى فان كل شهدائنا هناك هم ضحايا فى حقيقة الأمر لكامب ديفيد وقيودها.
· هذا بالإضافة الى استحالة انجاز اى تنمية حقيقية فى سيناء فى ظل العجز عن فرض السيادة الشاملة وتحقيق الحماية الكاملة للأرض والسكان والمنشآت والمشروعات، فى مواجهة كل التهديدات والمخاطر وعلى راسها التهديدات الاسرائيلية، فالتنمية غير ممكنة فى ظل قيود كامب ديفيد.
· المنطقة العازلة التى تم تفريغها فى سيناء وتم اخلاء منطقة الحدود الدولية من الأهالى والسكان المصريين، ليست سوى مطلبا اسرائيليا قديما، سبق لمبارك ان رفضه.
· الانفاق التى تقوم مصر باغلاقها تتم بناء على طلب من (اسرائيل)، وكان مبارك يرفض اغلاقها حتى لا يتسبب احكام الحصار على غزة الى حدوث انفجار واقتحام للحدود كما حدث فى يناير 2008.
· لا يمكن لمصر ان تقوم بفتح معبر رفح الا بعد التنسيق مع (اسرائيل) وبناء على موافقتها بناء على اتفاقية فيلادلفيا الموقعة بينهما عام 2005.
· تم توقيع اتفاق مصرى اسرائيلى ينص على السماح للاسرائيليين بالدخول الى سيناء عبر معبر طابا والسياحة على شواطئ خليج العقبة لمدة 15 يوم بدون تأشيرة، فى ذات الوقت الذى يحظر على الفلسطينيين دخول سيناء من معبر رفح الا بطلوع الروح.
· ولكن الأخطر من كل هذا، ما تمثله هذه القيود من تهديد ومخاطر على سيناء التى أصبحت تعيش كرهينة دائمة تحت تهديد عدوان اسرائيلى جديد، لا قدر الله، مماثل لعدوانى 1956 و 1967، مما يمثل ضغطا رهيبا على القرار المصرى المستقل، يجعله يفكر الف مرة قبل ان ينتهج سياسة او يتخذ قرارا يغضب الولايات المتحدة او اسرائيل.
*****
محمد سيف الدولة
[email protected]
25 ابريل 2019