التصدي الواهنُ والخطابُ الهزيلُ لصفقةِ القرنِ

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

لا شيء يشغل الفلسطينيين اليوم ويقلقهم كما تشغلهم هواجس صفقة القرن وكوابيس تفصيلاتها، ورعب تسريباتها، وهول تطبيقاتها، وسرية بنودها وجدية أطرافها، وحقيقة مواقفهم منها، وصدقية معارضةِ الأنظمة العربية لها أو توافقهم عليها وقبولهم بها، فضلاً عن موقف الأطراف الفلسطينية منها، ومدى تجاوبهم معها أو رفضهم لها، ودرجة جدية مواقفهم منها وحجم التفاعل معها رفضاً أو قبولاً، إذ تماهت المواقف الفلسطينية والعربية واختلطت التصريحات، وصمت البعض أمام صخب الآخرين وعلو صوتهم، في ظل الرفض المطلق لها، والتأكيد على أنه لا يوجدُ فلسطينيٌ يقبل بها أو يوافق على التوقيع عليها والالتزام بها.

فقد شغلت الإدارة الأمريكية المنطقة كلها بها، وألقتها إليها غامضةً مبهمةً، عامةً فضفاضةً، غير محددة البنود وغير معروفة الحدود، ولم تحدد توقيتاً دقيقاً للإعلان رسمياً عنها، وطرحها على الأطراف المعنية بصورةٍ جديةٍ، وكأنهم يتعمدون غموضها ويصرون على عدم تحديد بنودها، لتبقى بين أيديهم وحدهم مرنةً غير جامدةٍ، مما يسهل عليهم تعديلها وتطويرها، وشطب بعضها أو إضافة الجديد إليها، وقد وظفت ثلاثةً من مستشاريها الكبار، وكلفتهم بالمزيد من الغموض، والقليل من الوضوح، لتزيد من إرباك المنطقة التي باتت تترقب الإعلان الرسمي لها خلال فترة تشكيل الحكومة الإسرائيلية، ليصار على أساسها تحديد هوية الحكومة والأسس التي سيقوم عليها الائتلاف الحاكم.

أمام هذه التسريبات التي باتت كالحقائق، والتصريحات التي قد تغدو قريباً وقائع، نسأل أنفسنا وفصائلنا الفلسطينية ومعها السلطة الرسمية، عن خطة المواجهة التي أعددناها، ووسائل التصدي والصمود التي تسلحنا بها أمام هذه الهجمة الأمريكية غير المسبوقة، إذ أن الخطر حقيقي وغير وهمي، والهجمة مباشرة وغير التفافية، والمقصود منها واضحٌ وجلي وصريح ومباشر، إذ تتطلع الإدارة الأمريكية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وسحبها من على طاولة الحوارات في الشرق الأوسط، وتمكين إسرائيل في أرضنا الفلسطينية والعربية إلى الأبد، وتشريع وجودها وترسيم حدودها الجديدة، وتطبيع علاقاتها مع محيطها العربي القريب والبعيد.

لا يخفى على أحدٍ أبداً، فلسطينياً أو عربياً، مراقباً أجنبياً أو عدواً إسرائيلياً، أن الجبهة الفلسطينية ضعيفة جداً، وأن قيادتها مهزوزة، وتحضيراتها بسيطة، واستعداداتها غير كافية، ومعلوماتها غير مؤكدة، وتحالفاتها خربة أو غير موجودة، وكأنهم قوى وفصائل وسلطةً وتنظيماتٍ، لم يستشعروا الخطر بعد، ولم يدركوا جدية المؤامرة وخطورة ما يخطط لهم، أو أنهم استخفوا بها وظنوا الانتصار عليها، فانشغلوا بسفاسف أمورهم عن عظائم قضيتهم، وانبروا لشتم أنفسهم وتوجيه الاتهامات لبعضهم، وفضح العيوب وهتك الأسرار وتشويه الصور، وأخذوا يتآمرون على بعضهم ويتبارون في إيذاء أنفسهم ومعاقبة شعبهم، والتضييق على أهلهم، وما علموا أنهم يغرقون ويخسرون، وأن ملكهم الزائف يتبدد، وسلطتهم الواهية تتفكك، وما بقي من أرضهم تنهب وتسرق.

لا شك أن العدو الإسرائيلي يتهيأ ويتأهب، وقد درس الصفقة وعرف بنودها، واستعد لها وأعد الإجابات الشافية لها، التي تتناسب مع أحلامه وتتطابق مع أطماعه، وهو لم يستخف بها ولم يتهاون معها، ولم يركن إلى نوايا حليفه ولا إلى حسن تفسير شريكه، بل انشغل في دراسة الخطة دراسةً متأنيةً واعيةً، وكلف الجهات البحثية ومراكز الدراسات المختلفة لتفحصها والتدقيق فيها، وربما جلب مستشارين وتعاقد مع خبراء ومختصين، ليضمن ألا تكون الصفقة ضد سياسته أو تضر بمصالحه، وربما اتحدت جبهته الداخلية لتحسن التعامل معها، وتستفيد منها لتكون خطتها ورؤيتها، وسياستها وبرنامجها، وكأنها هي التي خططت ورسمت وأعدت.

أما الفلسطينيون فإنهم ينتظرون ويترقبون، ويتوقعون ويتحسبون، ولا يعرفون كيف يواجهون ولا ماذا يعملون، ولا يظهر أنهم سيتداعون إلى لقاءٍ جامعٍ أو تشكيل خلية عملٍ مواجهة، تكون كحكومة الظوارئ لمواجهة هذا الخطب الجلل والتصدي له لإفشاله وإسقاطه، ولهذا أرى أنه لزاماً على القيادة الفلسطينية بكل أهوائها وانتماءاتها، وأياً كانت سلطاتها ومسؤولياتها، وحيثما كانت مواقعها وقواعدها، في الوطن أو اللجوء والشتات، أن تهب على أقدامها واقفةً، وأن تشمر عن سواعدها جادةً، فالخطر حقيقي والصفقة قادمة، وقوى الشر كبيرة، وحجم التآمر غير قليلٍ، وكثير من الأنظمة العربية شريكة ومتورطة، ولها الرغبة في أن تمر الصفقة وأن تطبق، وأن يصبح الكيان الصهيوني شريكاً معها وجاراً لها.

فهل يعجل المسؤولون الفلسطينيون بدق ناقوس الخطر، وإعلان حالة الطوارئ، والقفز على كل المشاكل الداخلية، وتجاوز المماحكات الحزبية والسياسات الكيدية، والمباشرة في المصالحة وإنهاء الانقسام، وتوحيد الصف وجمع الكلمة، ورص الصفوف وتجديد الخطاب، وتحديث المؤسسات وإعادة بنائها، والقبول بالمشاركة والموافقة على التمثيل، والانطلاق في مواجهة العدو والإدارة الأمريكية بصوتٍ عالٍ مجلجل، وإرادةٍ صلبةٍ لا تنكسر، ووعيٍ كبير لا يغرر به، مستفيدين من إرادة الشعب وصدقه، وصبره وثباته، وتضحياته وعطاءاته.

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 28/4/2019
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected]