سبع عقود من النكبة وما زال اللاجئ الفلسطينى هائم على وجهه بانتظار العودة التى كفتلها له القوانين الدولية، جريمة انسانية ارتكتبها إسرائيل بحق الفلسطينيين السكان الأصليين؛ وتشير الاحصائيات اليوم إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين فى وكالة الغوث الدولية (الأونروا) نهاية العام 2018 خمس ملايين وتسعة مئة ألف لاجئ يتوزع 2.5 مليون منهم فى الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ويمثل اللاجئون فى غزة اكثر من 70 % من تعداد سكانه بما يعادل المليون ونصف لاجئ، ويتواجد قرابة 2.3 مليون من اللاجئين الفلسطينيين فى المملكة الأردنية الهاشمية؛ وقرابة نصف مليون لاجئ في سوريا واربعمئة الف في لبنان ، فيما يتوزع الباقي فى كافة أرجاء المعمورة وضمنهم مئات الالاف من اللاجئين غير المسجلين.
ويتضح لنا أن كلا من مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية والأردن ولبنان وسوريا تضم ما يزيد عن 90% من اللاجئين الفلسطينيين . وللتأكيد فإن تعريف لاجئ طبقا لوكالة الغوث الدولية(الأونروا) لا ينطبق على أى فلسطيني مقيم خارج تلك المناطق الخمس وغير مسجل ضمن سجلاتها .
ومن الواضح ان تصور الإدارة الأمريكية لحل قضية اللاجئين ضمن التسوية المعنونة بصفقة القرن يكمن فى الأساس بنزع صفة لاجئ عن الفلسطينى عبر إنهاء وكالة الغوث الدولية (الأونروا) ، ولقد مثلت الأونروا عبر ما يزيد عن سبع عقود توثيقا لجريمة تطهير عرقي ارتكبتها إسرائيل؛ وكانت الأمم المتحدة سببا رئيسيا فيه كونها هى التى أصدرت قرار تقسيم فلسطين؛ والذى منح الأقلية اليهودية الحق فى إقامة وطن قومي لها فى فلسطين.
وتعتبر الأونروا هي التوثيق الدولى الوحيد لوضعية اللاجئ الفلسطينى التى يشوبها لغط شرعي فى التوثيق فى الاتفاقات الدولية المعرفة والواصفة لحالة اللجوء؛ والتى لا تنطبق فى كثير من شروطها على وضعية اللاجئ الفلسطيني بما فيها اتفاقية جنيف واتفاقية1951 لحماية اللاجئين والتى وضعت شرطا أساسيا لخضوع أى لاجئ لأحكامها مفاده أن لا يكون هذا اللاجئ مشمولا برعاية أى منظمة تتبع للأمم المتحدة؛ وهو ما يُخرج اللاجئين الفلسطينيين من أحكامها، ومن الواضح أن هذا الشرط قد تم وضعه لكى لا تتحمل الدول الموقعة عليها أى تبعات على اللاجئين الفلسطينيين.
ومن هنا يتضح لنا مدى أهمية وكالة الغوث الدولية للاجئين (الأونروا) لتوثيق قضية اللاجئين الفلسطينيين، كما يتضح لنا أيضا أهميتها لدول العالم كونها تنوب عن كل دول العالم فى الرعاية والمسؤولية على قرابة 6 ملايين لاجئ لا تحميهم أو ترعاهم أى اتفاقية دولية خاصة باللاجئين الفلسطينيين.
وبهذا يتضح الخطر الذى تستشعره دول العالم من محاولات الإدارة الأمريكية وإسرائيل تجفيف منابع الدعم عن الأونروا فى محاولة لتصفيتها دون إنهاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين؛ وهو ما يعنى بشكل تلقائي خضوع اللاجئين الفلسطينيين لأحكام اتفاقية 1951؛ والذى يعنى تحمل الدول الموقعة عليها تبعات المسؤولية عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وإدراجهم تحت رعاية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين؛ وهذا سيعطى الحق القانونى لأى فلسطينى باللجوء فى أى من تلك الدول الموقعة على الاتفاقية والتى غالبيتها دول أوروبية.
ولكن الإدارة الأمريكية ومعها إسرائيل تعي أن استمرار الأونروا هو تثبيت لحق اللاجئ الفلسطينى فى العودة أو التعويض استنادا لشرعية القرار الدولى رقم 194؛ وبتصفيتها ستسقط الصفة القانونية عن كل اللاجئين الفلسطينيين؛ وسيتعين عندئذ على أى فلسطينى يريد إثبات أنه لاجئ أن يخضع لمعايير الاتفاقات الدولية، وعندئذ لن يتبقى من 6 مليون لاجئ فلسطينى إلا بضع مئات آلالاف يحق لهم طبقا للاتفاقات الدولية الموقعة بخصوص اللاجئين أن يصنفوا على أنهم لاجئين فلسطينيين، وبالتالى لن يتمكن أى فلسطينى يحمل جنسية أى بلد أن يصنف لاجئ؛ وهو ما يعنى كذلك خروج 2.3 مليون فلسطينى لديهم مواطنة أردنية من تصنيف لاجئ؛ إضافة إلى قرابة 2.5 مليون منهم يحملون الهوية المواطنة الفلسطينية .
ومن الواضح أيضا حسب التسريبات الاخيرة لصحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي حول حديث مبعوث الرئيس ترامب وصهره كوشنير أن الفتى المدلل تحدث بلهجة ولغة قاسية عن الاونروا وطالب بتصفيتها من أجل السلام لأن ما تبقى للفلسطينيين الآن بعد ضياع الدولة والقدس والحدود هي قضية اللاجئين فقط.
وليس غريبا بل متوقعا أن تتضمن الصفقة القادمة عروضا مغرية اقليميا وعربيا للدول المضيفة للاجئين من أجل توطينهم وهو ما رفضه الأردن مؤخرا لإدراكه التام بأن ما يحدث يعني انهاء الصراع عبر قضية التوطين للاجئين والوطن البديل عبر تغيرات جيوسياسية خطيرة يتم من خلالها إعادة تشكيل المنطقة وإعادة صياغة مفاهيمها وتشكيلاتها الديمغرافية والتاريخية.
وبذلك فإن عدد اللاجئين الذين سيخضعون لرعاية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لن يتجاوز نصف مليون لاجئ فلسطينى أغلبهم خارج فلسطين التاريخية؛ وإذا ما استثنينا منهم من حصل على جنسية الدولة التى يقيم فيها، فإننا نتحدث عن بضع آلاف سيكون من السهل إنهاء مشكلتهم بالتوطين فى أماكن تواجدهم ضمن حوافز اقتصادية للدول المضيفة أو حتى توطينهم فى بلد ثالث إن تعذر الأمر.
تدرك الإدارة الأمريكية وإسرائيل أن تصفية الأونروا لن يكون من السهل على العالم؛ وخاصة أوروبا تحمل تبعاته العملية والأخلاقية؛ ولكنهما يراهنان على عامل الزمن في ذلك، وصفقة القرن التى ينتظر إعلانها بعد قرابة شهر من اليوم حسب التصريحات الأمريكية هى بالتأكيد ليس صفقة قابلة للتطبيق الآن بقدر ما هى صفقة مستقبلية يراد بها وضع كل قضايا الحل النهائى على مقصلتها وحرق لكل سفن عدالة القضية الفلسطينية؛ فمن القدس إلى اللاجئين الفلسطينيين إلى الاستيطان إلى الحدود إلى السيادة، ولن تطرح الصفقة حلول عادلة لتلك القضايا بقدر ما ستخرق سفن عدالتها فى انتظار اليوم الذى تراها وقد غرقت عميقا فى بحار الظلم.
وبعيدا عن الضمير الإنساني العالمي تلك هى أحلام إدارة ترامب وإسرائيل التى يجب علينا النضال لكي لا تتحقق .. توحدوا فى أخر قارب للخلاص وأنقذوا فلسطين من المقصلة.
بقلم/ د. عبير ثابت
أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية