يحتفل الجميع بعيد العمال، وتعلو المنابر الخطابات والكلمات النارية حول العمال وحقوقهم ويتضامن الكثير مع المطالب العمالية التي تمثل الحد الأدنى للحياة الكريمة، وتعلن الحكومة الاجازة في الأول من أيار تضامنا مع العمال، ويتمتع الموظفين بالإجازة، ويحتفي الجميع بهذه المناسبة الا عمال فلسطين!! لهم خصوصية وظروف مختلفة، فبرغم حجم البطالة وقلة فرص العمل؛ الا أنهم في عيدهم، مرحومون من الاجازة ليس بسبب أن طبيعة عملهم لا تسمح بالإجازة، وإنما بسبب عدم الاهتمام وقلة التقدير وغياب الرقابة واهدا الحق، لذا يكونوا على رأس عملهم وكأن قدرهم أن يحتفى الجميع بعيدهم الا هم!! تضامن مزيف وانتهاك مقصود وتجميل لواقع سيئ وملغم بالمصائب والتجاوزات لكل القيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية، فاليوم وأنا أتابع منذ الصباح بعض القطاعات العمالية، واستمعت لكل من توجهت شخص من العمال توجهت له بالتهنئة والسؤال عن حاله؟؟!! كانت إجاباتهم أنهم على رأس عملهم، ولم تحتسب لهم إجازة بهذه المناسبة، وهذا الامر يتكرر كل عام، ولسان حالهم أنهم يسمعون بالإجازة عبر الاعلام ولكن لا يستفيدون منها، ويتم دعوتهم للاحتفالات ولكن!! قليل منهم من يشارك لارتباطهم بالدوام في أوقات العمل، ويدركون اليوم عيدهم ولكن هم بلا عيد!!؟؟ من يتحمل المسئولية بان عمالنا بلا عيد ؟؟!!
أن الأول من أيار برمزيته هو يوم عمالي بامتياز ومنبرا تسلط فيه الأضواء على قضايا ومشاكل وهموم العمال، ويرفع فيه الشعارات والمطالب المساندة لحقوق العمال والرافضة لأي استغلال او انتهاك لحقوقهم، وحرمان العمال من هذا الحق مسئولية الجميع من وجهة نظري هناك عدت مسئوليات سأتناولها تباعا في أمل ان نتفهم الواقع ونعمل على إصلاحه وهي على النحو التالي:
- المشغل يجب أن يراعى حق العمال بهذه الاجازة التي ينص عليها قانون العمل، وأن يحاول في هذا اليوم مشاركة عماله الاحتفال، وتكريمهم تقديرا لدورهم ومساهماتهم في العمل، وهذا ينعكس إيجابا على طبيعة علاقات العمل ببعدها الإنساني والاجتماعي، والتي سيكون لها الأثر على عملية الإنتاج، وتنمي قيم الانتماء والإخلاص والوفاء والعطاء والحرص على العمل وجودته وتعزز التعاون والحوار الاجتماعي.
- الحكومة واجبها العمل على تطبيق القانون ومراقبة أي انتهاكات وتجاوزات له في سوق العمل، وخاصة في هذا اليوم واجبها أن تشارك العمال يومهم، وتدعم مطالبهم المشروعة وتساندهم وتتضامن معهم من خلال المتابعة، والملاحقة للمشغلين الذين ينتهكون القانون وخاصة من يحرمونهم الاجازة بهذه المناسبة، فعيد العمال مناسبة أممية يحتفل بها كل العمال وأصبحت عرفا وتقليدا يعقد فيها المهرجانات والمؤتمرات والمسيرات وإصدار البيانات والزيارات العمالية، وبهذه المناسبة يمنح العمال امتيازات، وأحيانا بتقدير يخاطب رئيس الدولة العمال في عيدهم ويمنحهم بعض الامتيازات بقرارات وتعليمات ووعود تترجم بتشريعات وقوانين تلبي تطلعاتهم بالحماية العدالة الاجتماعية، ويحذوا المسئولين والقيادات هذا النهج الإنساني والأخلاقي لدعم العمال هكذا يكرم العمال في عيدهم !!
- النقابات والاتحادات العمالية بالعادة تقود فعاليات، وتعلن عن برنامج متكامل لأحياء هذه المناسبة بحرية، وتتبني مجموعة من المطالب لتخفيف معاناة العمال وتحسين ظروف وشروط عملهم، ولكن في حالتنا الفلسطينية وفي أجواء الانقسام وتقييد الحريات النقابية، وتفسير النشاطات النقابية بأنها مسيسه ومحزبه، ومحاولات السيطرة على العمل النقابي والتجاذبات السياسية أضعفت الموقف النقابي وقدرته على التأثير، والتغيير لصالح قضايا وحقوق العمال وهذا الضعف والذي يصل أحيانا لعجز يدفع ثمنه العمال في بيئة العمل، وتنتهك حقوقهم، فلا تنتظر ان يتمتع الضعيف بحقوق وامتيازات في ظروف تسيطر فيها ثقافة الغاب واللامعيارية، والاصل ان تكون النقابات القوة والسند الذي يشد ازر العمال ويحقق آمالهم بالنضال السلمي والمنظم .
- منظمات واتحادات المشغلين تلتزم الصمت أمام انتهاك أعضائها لحقوق العمال خاصة في بموضوع الاجازة بمناسبة عيد العمال، ولم تشجع المشغلين وتوجههم لدعم ومناصرة قضايا العمال، بمشاركتهم مناسباتهم وتكريمهم بما يساهم في بناء علاقات سوية وإنسانية بين طرفي الإنتاج ويعزز الحوار وينمي قيم التعاون بين الأطراف في سوق العمل، وهذا يدعو لضرورة للعمل على اتخاذ خطوات عملية لبناء الثقة والتأسيس لقواعد من العمل المشترك والحوار الاجتماعي لتطوير بيئة وعلاقات العمل وهي مسئولية مشتركة مع النقابات العمالية.
- المجتمع المدني أن ثقافة ووعى المجتمع نحو الانسان العامل لا ترقى لحجم تضحياته ودوره في بناء المجتمع، فرغم أن العمل لا يعيب صاحبه ما دام مشروع ويأكل من عرق جبيه بغض النظر عن طبيعة أي العمل، الا ان المجتمع ومؤسساته لا ينصف ويقدر المكانة الحقيقية لهؤلاء العمال، وخاصة في بعض المهن ذات المستوى المتدني، وهذا الاتجاه والسلوك يحتاج لمزيد من الوعي والايمان بالعمال، وبحقوقهم الإنسانية والاجتماعية، فهم عمود الخيمة ومركز العطاء، والواجب مساندتهم ودعم مطالبهم ومساعدتهم لتحقيق العدالة والانصاف في علاقات العمل.
سيظل عيد العمال لغيرهم ما دام العمال لا يجدون من يناصرهم ويساند قضاياهم بقناعة وايمان !!، فلا يجوز في ظل تكالب كل الظروف الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والفقر نتيجة الحصار وممارسات الاحتلال، وما تبعها من انقسام سياسي، والتي يدفع ثمنها العامل من صحته وعلاقاته ومكانته أن يكون وحده ضحية، ويكون السيف مسلط على رقبته باعتباره الحلقة الأضعف في المجتمع، العمال كانوا وما زالوا في المقدمة بالتضحية والعطاء والتنازل من أجل الاخرين بإرادتهم وبطيب خاطر في المحن ولكن! الاجبار وسرقة الحقوق والحرمان، وتحميلهم تبعات الظروف يعد انتهاك وتجاوز يجب علاجه وإعادة النظر فيه.
يجب أن تكون توجهات الجميع والرسالة التي توجه للعمال بمناسبة عيد العمال بعد التهاني والتبريكات، خطوات عملية ملموسه تتضمن التكريم الحقيقي، والاستمتاع بالإجازة المدفوعة للأجر وتبني مطالبهم ومناصرتهم حتى يكون الأول من أيار عيد للعمال لا يعيد عليهم ..
عاش الأول من أيار ..عاشت نضالات العمال
كل عام والعاملات والعمال في كل انحاء العالم بألف خير، وسيبقى الإرادة والامل البوصلة التي تنير الطريق لهم نحو المستقبل الواعد والعدالة الاجتماعية ..
بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر