الحربُ الأمريكيةُ على الإسلامِ السياسي السني والشيعي

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

أعلنت الإدارة الأمريكية بوقاحةٍ وسفورٍ عن حربها على الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي معاً، المتمثلين بصراحةٍ ووضوحٍ بحركة الإخوان المسلمين السنية وحزب الله الشيعي، وعلى كل من انتمى إليهما وانتسب، وسار على شاكلتهما وانتظم، وحمل فكرهما وثار، وآمن بمنهجهما وقاتل، وحمل السلاح مثلهما وقاوم، وأعلنت تجديدَ عدائها لهما وحربها عليهما، وعزمها على استئصال شأفتهما وتجفيف منابعهما، والتضييق عليهما، والقضاء على أماكن نفوذهما، وملاحقة قادتهما ومصادرة ممتلكاتهما، اعتقاداً منها أنها ستستطيع أن تطفئ جذوة المقاومة، وأن تثني المقاومين عن عزمهم، وأن تفت في عضدهم، وأن تدفعهم نحو الاستسلام والقبول، والتبعية والخضوع.

 

صرحت الإدارة الأمريكية برغبتها بكل صفاقةٍ وصلفٍ، وقالت أنه لا مكان للإسلام السياسي في القاموس الأمريكي والدولي، ولا دور له في إدارة البلاد وتسيير شؤون الحياة، ولا ينبغي أن يكون للمؤمنين به وجودٌ على الأرض ولا نفوذٌ بين البشر، ولا سلطة سياسية ولا قدرة عسكرية، ولا يجوز الاعتراف بهم أو التعامل معهم، ولا ينبغي الإقرار بشرعية وجودهم وقانوينة تمثيلهم، وكأنها من يملك سنن الكون ونواميس الحياة، ومن تقرر بين الخلق وتشرع بين البشر، أو أنها تملك الحق في تفسير القرآن وتحديد ماهيات الإسلام، ونسيت أننا أبناء هذه الأرض، جذورنا فيها عميقة، وانتماؤنا لها كبير، وتضحياتنا في سبيلها بلا حدود.

 

بدأت الإدارة الأمريكية حربها على قوى الإسلام السياسي بحزب الله، فأطلقت ضده مجموعةً كبيرة من التهديدات، وأصدرت بحقه العديد من القرارات بفرض عقوباتٍ إقتصادية على عددٍ من الشخصيات والكيانات الاقتصادية الخاصة به أو القريبة منه والمتعاونة معه، وأعلنت عن مكافئات وجوائز مالية لكل من يدلي بمعلوماتٍ عن روافد حزب الله المادية، ومصادر الدعم الخارجية ومدخراته وتجارته في مختلف أنحاء العالم، وذلك ضمن مخططٍ كبيرٍ للتضيق على الحزب وتعميق أزمته المالية، في ظل العقوبات المشددة المفروضة على إيران، وهي الداعم الأساس لحزب الله ومحور المقاومة بشقيه السني والشيعي.

 

انتقلت الإدارة الأمريكية في حربها على الإسلام السياسي إلى حركة الإخوان المسلمين، وهي الحركة السنية الأقوى والأوسع انتشاراً، والأكثر نفوذاً والأشمل تمثيلاً في أكثر من دولةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ، وأعلنت عزمها على تصنيفها بالإرهاب، وهذا يعني المباشرة في التضييق عليها ومحاربتها، وملاحقة عناصرها ومحاكمة قادتها، وتجفيف منابعها ومصادرة ممتلكاتها، فضلاً عن إخراج كل من ينتسب إليها من المؤسسات الوطنية، فلا يسمح لهم بأن يتمثلوا في البرلمانات، أو أن يشاركوا في تشكيل الوزارات، فضلاً عن أن يحكموا بأنفسهم، ويديروا شؤون البلاد وحدهم، وهو تصنيفٌ يطال حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ويجرمها ويخرجها عن الشرعية، ويفرض على الأنظمة العربية أن تسحب اعترافها بها وتفرض مقاطعتها عليها.

 

بدأت الإدارة الأمريكية في تشكيل تحالفها الجديد لحربها القادمة، التي ستكون حسب رأيها حرباً ضروساً لا هوادة فيها، فهي فرصتها الذهبية ومحاولتها الأخيرة لتمكين إسرائيل وتشريع وجودها، وتمرير صفقة القرن التي تحمي كيانها وتفرض على العرب تطبيع علاقتهم معها، وعليه فقد أكدت الإدارة الأمريكية أنها جادة في حربها وماضية في معركتها، وأنها لن تتهاون معهما، وستستخدم كل الأساليب الممكنة في حربها عليهما، وسيشترك معها في حربها ضدهما بعض القادة العرب والمسلمين، ممن يدورون في فلكها ويؤمنون بسياستها، أو يشتركون معها في الهدف، ويتفقون معها في الإحساس بالخطر، ولعل بعض الأنطمة العربية هي التي شجعت ترامب على قراره وحرضته، وأملت عليه رأيها وأقنعته.

 

تدرك الإدارة الأمريكية أن الإسلام السياسي إسلامٌ ثائرٌ حرٌ، غيورٌ صادقٌ، قويٌ صلبٌ، جبارٌ عنيدٌ، صابرٌ مكابرٌ، مقاومٌ مقاتلٌ، نشأ في الأرض المباركة وانطلق من البيئة المقاومة، وهو يعبر عن الشعب وينطق باسمه، وهو المهيأ للقيادة والريادة، والمرشح للفوز والنجاح، ولهذا فهي تخشى من قوى الإسلام السياسي المقاومة، وفي المقدمة منها حركة الإخوان المسلمين ومن انتمى إليها، وحزب الله ومن اتبع طريقته، فهي قوى لا توالي ولا تهادن، ولا تفاوض ولا تعترف، ولا تستسلم ولا تصافح، ولا تفرط في الحقوق ولا تتنازل عن الثوابت.

 

لعل هذه الحرب المعلنة تدعو الطرفين معاً، السنة والشيعة، أتباع محور المقاومة، للتفاهم والتنسيق، والتعاون والعمل المشترك، ووأد الفتنة المذهبية التي عصفت بالأمة وفرقتها، للقفز على الخلافات وتجاوز الأوهام والتناقضات، إذ أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وما يوحدهم أكبر مما يستهدفهم، فهلا انتبهوا للمؤامرة التي تحاك ضدهم، والحرب التي تشن عليهم، ليدركوا أنهم في مركبٍ واحدٍ ويواجهون عدواً واحداً، فإما أن ينتصروا على أعدائهم معاً، أو يغرقوا ويهزموا معاً نتيجة خلافاتهم واستفراد العدو بهم.  

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بيروت في 4/5/2019