قرأت في وسائل الإعلام صبيحة يوم الأربعاء، 1/5/2019، خبرًا جاء فيه :"أقدم مستوطنون من جماعات "تدفيع الثمن" فجر اليوم الأربعاء، على قطع أكثر من 150 شجرة زيتون في قرية برقة شرق رام الله. ووفقا لمصادر محلية ، فأن عشرات المستوطنين من بؤرة "عتساف" الاستيطانية، المقامة على أراضي القرية، هاجموا حقول الزيتون، وشرعوا بتقطيع الأشجار بحماية من الجيش الاسرائيلي".
يبدو الخبر، وللأسف، عاديًا في أيّامنا ولكنّه أعادني لمقالة نشرتها يوم 29/11/2002 في صحيفة فصل المقال بعنوان "قطف الزيتون وتطبيق القانون على المستوطنين" وكنت في تلك الفترة عضو إدارة "بتسيلم" وأعيد نشرها كما هي. وما أشبه اليوم بالأمس!!!
يعتبر موسم الزيتون مصدر الرزق الوحيد لآلاف العائلات الفلسطينيّة. ونظرًا للأوضاع الاقتصادية الصعبة والفقر المُدقع في الأراضي المحتلّة فإنّ كلّ مسّ بموسم الزيتون يعتبر ضربة قاسية لهذه العائلات.
في الآونة الأخيرة لم تقم قوّات الأمن الإسرائيلية بواجباتها وتخاذلت بكبح جماح المستوطنين واستعملوا العنف ضدهم ومنعوهم من قطف ثمار أشجارهم، كما لم تمنع المستوطنين من القيام بعملية قطف أشجار الزيتون التابعة للفلسطينيين وسرقة المحصول، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فإنّ استشهاد أحد المزارعين من سكان عقربة حين قتله مستوطن خلال قطفه لزيتون أجداده في 6/10/2002 لم يغيّر سياسة قوات "الأمن" (وكذلك إطلاق النار من قبل مستوطن على قاطفي الزيتون من أهالي بني نعيم وسرقة محصولهم بتاريخ 28/10/2002، هجوم مستوطني إيتمار على قاطفي الزيتون من أهالي عوارتا- منطقة نابلس بتاريخ 22/10/2002، هجوم مستوطني شبوت راحل على قاطفي الزيتون من أهالي ترمسعيا بتاريخ 21/10/2002، تعدّي مستوطني إفرات على قاطفي الزيتون من أهالي الخضر واقتلاع أشجارهم وسرقة المحصول بتاريخ 18/10/2002، وهجوم مستوطنين على قاطفي الزيتون من أهالي بورين وسرقة محصولهم وآلياتهم الزراعيّة وغيرها). إنّ تخاذل قوات "الأمن" الإسرائيليّة تجاه عدوانيّة المستوطنين وعدم تدخلها في الوقت المناسب لمنع هذه الأحداث أدى إلى خلق جوّ يوحي بالاستخفاف بحياة الفلسطينيّين وبممتلكاتهم ويشجّع استمرار الاعتداء عليهم.
عدوانيّة المستوطنين لا تتوقّف عند موسم قطف الزيتون بل تتعدّاه إلى أعمال استفزازيّة وعدوان يومي، حيث يقوم المستوطنون بأعمال عدائيّة ضد الفلسطينيّين من ضمنها إطلاق النيران عليهم وإصابتهم وإلقاء الحجارة والاعتداء على أملاكهم وإغلاق طرقهم والتعرّض لهم بوسائل أخرى تنبع كلّها عن سياسة عدم تطبيق القانون على المستوطنين الذين مارسوا عنفوانهم علنًا وفي وضح النهار، وذلك عدا عن قيام بعضهم بالهجوم على القرى الفلسطينيّة – خاصة عند فرض حظر التجوّل – والاعتداء على السيارات الفلسطينيّة على الطرقات وعلى المزارعين في مزارعهم وأمام عدسات التلفزيون.
إنّ إفلاس السلطات الإسرائيليّة بالحفاظ على النظام حين تتعامل بالتسامح واللامبالاة تجاه أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون، وهذا التعامل يشجّع القائمين بها على الاستمرارية بمثل هذه الأعمال، وكل ذلك يظهر إهمال إسرائيل بصفتها الحاكم في الأراضي المحتلة لمسؤوليتها التي تشمل الدفاع عن سلامة جميع السكان الذين يعيشون تحت سيطرتها بموجب القانون الدولي.
أ. فشل سياسة تطبيق سيادة القانون:
الانتقادات للسلطات المسؤولة والتي لا تطبق سيادة القانون بحزم على المستوطنين جاءت على مدى السنوات الأخيرة من قبل جهات رسمية عديدة، منها لجنة "كارب" التي عيّنت عام 1981 لفحص معالجة الشرطة للمخالفات القانونية التي يقوم بها المستوطنون, ولجنة "شمجار" التي حقّقت بأحداث الحرم الإبراهيمي عام 1994، ومراقب الدولة في تقريره الذي صدر في أيلول 2001، وكلّها أكّدت أنّ هناك خللاً فادحاَ في تأدية الشرطة لوظائفها تجاه المستوطنين، وتوصّلت كلّها للنتيجة بأنّه لا يتم التعامل مع المستوطنين الذين يقومون بأعمال عنف بالحزم المناسب، وهناك خلل واضح بتطبيق سيادة القانون على المستوطنين العدوانيين، ورغم ذلك فالجهات الرسمية العليا لم تحرك ساكناً ولم تغيّر شيئاً من أجل فرض سيادة القانون، ممّا يدل على الاستهتار الصارخ بأرواح الفلسطينيين العزّل وممتلكاتهم.
ب. عدم اتخاذ إجراءات مسبقة:
أحد عناصر سيادة القانون هو اتخاذ الإجراءات اللازمة والاستعداد مسبقاً لمنع حصول الاعتداءات، مثل اعتداءات موسم قطف الزيتون التقليديّة والأعمال الانتقاميّة نتيجة لأحداث تحصل.
التعليمات تنص على أنه من واجب الشرطة وقوى الجيش التحضّر، بشكل دائم ومؤقت، لأعمال عنف وشغب متوقعة، وعليها الأخذ بالحسبان ماهية الحدث، سعته واشتراك أكبر عدد من المستوطنين، وكذلك الخطر المتوقع تجاه أرواح وممتلكات الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال وخاصة عند وجود معلومات مسبقة للقيام بمثل هذه العمليات، فيترتّب زيادة عدد الجنود أو إقامة غرفة قيادة ميدانية أو الإعلان عن المنطقة "كمنطقة عسكرية مغلقة" لمنع وصول مستوطنين آخرين وكذلك التدخل السريع لإيقاف الاعتداء.
ج. رد الفعل عند وقوع الحدث:
إنّ الشرطة الإسرائيلية مسؤولة عن تطبيق القانون تجاه المواطنين الإسرائيليين في المناطق المحتلة في حالة علمها المسبق بحدث ما سيتم القيام به أو عندما تعلم به حال حدوثه، والتعليمات تنص على واجبها بمعالجة حوادث العنف من قبل المستوطنين، بما فيه تفريق مظاهراتهم، الاعتقال، تحرك القوى، إغلاق الشوارع الحفاظ على سلامة وأمن المواطنين ولكن الواقع يختلف تماماً، بحيث الشرطة لا تقوم بواجبها تجاه المستوطنين، وكذلك سلطات جيش الاحتلال (حيث مسؤوليتها تبدأ في أية حالة تنتقص بها قوى الشرطة)، فواجب أفراد الجيش التدخّل في أي حالة عنف واعتداء على الفلسطينيّين، حيث تبيّن أن الأوامر غير واضحة لجميع الجنود بأنّ واجبهم الدفاع عن الفلسطينيّين حال الاعتداء عليهم.
د. التحقيق:
تمت إقامة وحدة شرطيّة خاصة (شاي) وهدفها تصليح الأخطاء السابقة في معالجة اعتداءات المستوطنين ومخالفاتهم، وألقي على عاتقها التحقيق في جرائم المستوطنين وتقديمهم للمحاكمة بما فيه موضوع الأمن العام والخلافات حول الأراضي، ولكن الأبحاث والتحقيقات التي قامت بها منظّمات حقوق الإنسان – المحليّة والعالميّة ومنها "بتسيلم" و "أمنستي" – دلّت على أنّ الوضع لم يتحسّن والقانون لا يُطبق على المستوطنين في أغلب الأحيان، حيث لا تجري تحقيقات ما لم تقدم شكوى رسمية رغم أنّ الشرطة ملزمة بالتحقيق في كل حدث تعلم به، وكذلك تبين أنّ التحقيقات التي بدئ بها استثمرت فترة زمنية طويلة وأغلب الملفات أغلقت دون التقديم للمحاكمة بحجة عدم وجود الأدلة أو "لم يعرف الجاني" !.
في تقرير مراقب الدولة، الذي صدر في أيلول 2001، ظهرت صورة سوداء مثيرة للقلق تجاه تصرفات الشرطة حيث تبين أنّ:
أولاً – 75% من ملفات التحقيق بين 1998 – 2000 أغلقت، بسبب عدم وجود الأدلة والبيّنات أو بسبب "عدم أهميّتها للجمهور" ولم تقدم بها لوائح اتهام.
ثانياً – 90% من ملفات التحقيق ضد المستوطنين للقترة يناير – اكتوبر 2000 أغلفت.
ثالثاً – المدعي يبدأ بعلاج الملف بين سنة الى 18 شهراً بعد تقديم الشكوى مما يصعّب في إكمال التحقيق بها.
رابعاً – رغم أنّ من أهم أسباب إقامة الوحدة كان معالجة الخلافات حول الأراضي لم تقدم أية لائحة اتهام ضد المستوطنين وموضوعها الاعتداء على الأراضي؟!؟
خامساً – ينقص الوحدة وسائل أساسية للقيام بعملها بنجاعة ومنها الحاسوب وغيرها مما يعرقل عملها.
ولذا أوصى مراقب الدولة بالعمل على توسيع وحدات التحقيق في محطات الشرطة العاملة في المناطق المحتلة، وعلى الشرطة القيام بالتحقيق بكل شكوى أو حالة اعتداء قام بها المستوطنين ضد الفلسطينيين ودون تمييز.
وكذلك محكمة العدل العليا أوصت بالعمل على تنفيذ توصيات مراقب الدولة حسبما جاء في التماس تقدمت به "هموكيد" للدفاع عن الفرد (التماس رقم 4647/2001).
إنّ الابحاث الميدانيّة التي قامت بها منظمات حقوق الإنسان، تظهر بشكل واضح سياسة التسامح وغض النظر عن الحالات المتكررة التي تبيّن أنّه في حال وجود رجال الشرطة أو الجنود في الموقع عند قيام المستوطنين بالأعمال العدائية فأنهم يقفون جانباً دون التدخل، وعند القيام بالتحقيق فانه يكون سطحياً دون الرغبة بالوصول الى نتيجة، وكذلك الأحكام الخفيفة وإعلان العفو عن القلائل الذين تصدر أحكام ضدهم بتهمة الاعتداء على الفلسطينيين.
سياسة قوات الاحتلال الاسرائيلية تشجّع استمراريّة المس بالأبرياء وانتهاك حقوقهم الأساسية، وهي لا تقوم بواجبها الأساسي – كقوة محتلة- بالدفاع عن السكان الفلسطينيين كما يتوجب عليها حسب القانون الدولي.
حقًا، ما أشبه اليوم بالأمس!!
بقلم/ حسن عبادي