اليوم يوم الإنتصار العظيم، يوم الإخاء والمحبة، يوم الوحدة الوطنية للكل الفلسطيني بفصائله وقواه وكتائبه، يوم أهل غزة الأبي بصدره العاري، اليوم الذي أثبتت به غزة العزة المقدسة أنها تحتضن فلسطين وشعبها الأبي، وإنها قلب فلسطين النابض بالوحدة والفداء والجهاد، لقد راهن الأعداء على تقسيم وتفتيت تفسيخ وإنهاء هذا الشعب ولكن غزة وحدت وجمعت الكل الفلسطيني في بوتقة واحدة وفي قلب الميدان الجهادي الواحد، وقالت بأعلى صوتها لا وألف لا، إنهم أبطال غزة الذين لم تتمكن كل مؤامرات العدو أن تجعلهم طرائق قددا.
غزة التي تغذ السير، ترافقها المعالي، ويناجيها الخلود وهي تشق غياهب الكدر إلى أرض فلسطين، تحملها المفازات ويحدوها حصان جموح تشقق من سنابكه أديم الفلاة التي طربت على أنشودة الخلود والتحرر الإنساني ويطرق أسماعنا غزل الشهادة، وفرط الوجد بينها وبينك يا أم الشهيد والتاريخ يردد في علاك، ويستعيد آهات ألطف ونوازع الأحزان وأنت تهبين لكل الدياجي.
كم قاسية قلوب العرب يا غزة؟ وكم يؤلمنا أن تصبح العروبة كلمة فضفافه لا معنى لها سوى إنها مادة إعلامية يتناولوها الساسة في مؤتمراتهم الموسمية، والحزبيون في مقاراتهم الرسمية، والشعراء في قصائدهم الشعرية، حتى باتت العروبة عبارة عن كلمة يتغزل بها الشباب عندما يتوجّدون على أمة تراخت فيها العزيمة، وتندّرت فيها الشجاعة، وقلّ فيها العطاء وضاق فيها الانتماء، وكم يحزننا أن نشاهد المقاهي العربية تمتلئ على بكرة أبيها من شبابنا العربيّ، وهم يتعالون الصيحات والأهازيج على متابعة الفرق المونديالية، ويحرصون على البقاء لفترات طويلة فيها من أجل الحضور والتحليل والمراهنة لما يدور في أرض الملعب، بينما قطاع غزة يزّف جيلا رائعا من الشباب الشهداء إلى جنات الخلدّ بإذن الله بعدما تلقوا وابلا من رصاص إسرائيل الغاشم.
أيّ قسوة تلك التي تحيط في عروقهم؟ وهم يشاهدون شيبك وشبابك واطفاك يقصفون ويدمرون ويحرقون أمام عيونهم وتتناثر أشلاءهم أمام مرأى ومسمع من العالم الحر، والعرب لا يحركون ساكنا سوى عبارات التنديد والأسف والتعقل والجلوس على الطاولة وما زالت الحكاية مستمرة يا غزة، فلك الله يا غزة ولا تراهني إلا على شبابك وأطفالك وثوارك ومجاهديك ومقاوميك وأبطالك.
لن أبكيك يا غزة لأنك باقية شامخة شموخ النخيل والزيتون، لن أبكيك لأن هنا ما زال يوجد طفلا يرقد في حضن أمه، لن أبكيك بالرغم من جراحك ونزيف دمك، لن أبكيك لأن شهدائك لا يعرفون ولا يقبلون إلا بالشهادة في سبيل الله والوطن والشرف، فشهدائك وأبطالك يا غزة قالوها وما زالوا يرددوها، اقتلونا فوالله إنكم تفرحونا بهذا القتل حيث هو لنا عادة وحيث إنا من نفخر بأن نقتل شهداء بيد أقذر وأجرم خلق الله ديناً ودنيا، وإنا التواقون إليها كما تاق لها من قال فزت ورب الكعبة، وإنا التواقون العاشقون لها كما عشقها من قال ربنا إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى، وإنا تواقون وعاشقون وساعون إليها كما سعى إليها ياسر عرفات وأحمد ياسين وأبو علي مصطفى وفتحي الشقاقي وعمر القاسم وعطايا ابو سمهدانه والجعبري وجهاد العمارين وثابت ثابت.
فوالله يا غزة الذي لا إله إلا هو إنه لمن دواعي السرور والبهجة أن نرى تلك القوافل تترى على بارئها زاحفة، وهي الموقنة أن يد الآثمين متربصة ولكنها تصر عليها تلك إحدى الحسينيين إصرار العاشقين على رؤية المعشوق زاحفة إليها.
لن أعزيكم يا شهداء غزة بعد اليوم ولن أعزي ذويكم بل هي هلهولة أم الشهيد بزفاف إبنها وهي فرحة الشيخ العجوز بالقربان الذي أن تقبله الله قال بعدها رباه إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى، وهي فرحة العروس بيوم زفافها، وهي فرحتي بعرس الشهادة في غزة العزة.
إنها غزة وإنهم أبطال غزة الذين ضربوا كل الإدعاءات والمراهنات والمحاولات الظلامية عرض الحائط بل سحقوها وكل يوم يثبتون شيئاً جديدا، ليفهم الداني والقاصي إنهم متمسكين بالحديث الشريف (( إنما المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )).
سلاما يا غزة سلاما يا أهل غزة وفيكم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .إنها صفعه إلى كل من يفكر بالاعتداء على أرضكم وعرضكم وشرفكم وكرامتكم، لك يا غزة عز أنت فيه، فكل قطرة دم سالت فيك هي بحر من العز والفخار فيه من الدرر ما يسر الناظرين.
سلام عليك يا غزة وسلام عليك أيها الشهيد يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.
بقلم/ رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي