قبل أن يمتلك خزائن الأرض، ويفيض خيراً وخبزاً على أهله وقومه وذويه، تعرض يوسف عليه السلام إلى الظلم مرتين، مرة من الكارهين ليوسف، ومرة ثانية من العاشقين ليوسف، وفي كلا المرتين كان متهماً بريئاً، وكان في غفلة عما يحاك ضده، وقد جاءه الشر والبلاء من حيث لا يحتسب.
في المرة الأولى تعرض يوسف للمؤامرة من أخوته؛ أبناء يعقوب، بدافع الغيرة والحسد، والطمع في أن يكونوا بعد الخلاص من يوسف قوماً صالحين، فألقوه في غيابة الجب.
وفي المرة الثانية تعرض يوسف للمؤامرة من امرأة العزيز الذي شغفها يوسف حباً، فلما استعصم عليها، أوصت بسجنه، وبعذاب أليم.
وما كان ليوسف إلا أن يتقبل قدره، وأن يفرض نفسه من خلال كفاءته وجماله ووفائه وقدرته على استشراف المستقبل من خلال تفسير الأحلام، وكان ليوسف طاقتان؛ طاقة للصبر، وطاقة للقدرة على الإبداع.
لا أعرف لماذا يخطر في بالي قطاع غزة كلما استمعت إلى قصة يوسف بن يعقوب في القرآن الكريم، حيث المشابهة كبيرة بين الظلم الذي تعرض له يوسف مرتين، قبل ان يسود، وبين الظلم الذي تعرضت له غزة مرتين؛ وهي في طريقها لأن تسود.
المرة الأولى كانت من الكارهين لغزة، والحاقدين عليها، والذين يحاصرونها، بعد أن حاولوا إلقائها في بئر التفجيرات والتدمير والقتل والحروب والحصار فخرجت غزة قوية واثقة قادرة.
والمرة الثانية من الذين شغفتهم غزة حباً، وأرادوا أن يتمكنوا منها، فاستعصمت عليهم، فعاقبوها بالسجن وعذاب أليم، بما في ذلك تشديد العقوبات، وقطع الرواتب وقطع الكهرباء، وحرمان أولادها من العلاج.
يوسف الذي كان وحيداً وغريباً وفقيراً، صار عزيز مصر بعد أن صبر واحتمل، وأظهر قدراته وإبداعه، وغزة التي تمت محاصرتها ومعاقبتها، تمكنت رغم الحصار والعقوبات أن تكون نداً لأقوى جيوش المنطقة، وجاءها الخبز والدولار من الشرق والغرب، طلباً للهدوء والسكينة، في إشارة على أن غزة ستصير في قادم الأيام سيدة نفسها.
غزة التي تعرضت للمكائد والغدر قادرة على أن تكيل لمن يكرهها كيل بعير من الأمن، وغزة قادرة لأن تعطي لمن يعشقها كيل بعير من الأمل، فغزة التي خرجت من بئر الحصار والحرب كبرت، وصارت عزيزة، وغزة التي أعلنت براءتها من الانقسام والتجاهل اتسعت وانتشرت ودق عليها الباب طلباً لودها ورضاها الغريب والقريب، فقد صارت غزة بنفسها وأحلامها وإرادتها عزيزة.
غزة ستكون رحيمه على أهلها، عنيفة ضد من ظلمها، وضد من أراد بها سوءاً، وستؤكد غزة أنها فكرة مقاومة، وفكرة عدم الاعتراف بأطماع الأعداء، وغزة هي فكرة الانتصار، وعدم الخضوع والتسليم بالعجز، غزة هي القوة والثقة الذي لن تخذل القريب، ولن تكون طعاماً يأكل منه طير الغريب.
د. فايز أبو شمالة