لن أنساك يا استاذي ومعلمي الدكتور عيسى بلاطة

بقلم: جاك يوسف خزمو

غيب الموت مؤخراً الاستاذ الجامعي والاديب والكاتب والعلامة ابن القدس الدكتور عيسى بلاطة عن عمر ناهز تسعين عاماً بعد عطاء فكري وثقافي وأدبي مميز. وكانت الوفاة في مونتريال/ كندا التي هاجر اليها في العام 1068.

عمل الاستاذ والمربي عيسى بلاطة مدرساً في مدرسة القديس جورج (مدرسة المطران)، هذه المدرسة التي التحقت بها بعد حرب حزيران 1967 حيث كان لي الحظ، بل الشرف لأن أعرف من خلالها المربي الدكتور عيسى جيداً وعن قرب من خلال تأديته لرسالته التربوية والتعليمية الممتازة التي احترفها وبكل اتقان ، فكانت لي النموذج الذي احتذيته والاسلوب الذي اتبعته عندما عملت مدرساً لتسع سنوات في خدمة وتربية اطفالنا في احدى مدارس القدس القديمة (المدرسة اللوثرية)، والتي كانت ناجحة الى ابعد الحدود. وتتمثل هذه الوسيلة في تخصيص حصتين اسبوعياً، احداهما لتقديم امتحان تقييمي في مادة من مواد اللغة العربية التي سبق شرحها، والحصة الثانية التدرب على كتابة موضوع انشاء، وبعد ثلاث حصص من التدريب  على الكتابة، كانت الحصة الرابعة لقاء نقاش حول الافكار والصياغة اللغوية السليمة. وقد كنا في البداية نستطيع كتابة صفحة واحدة أو صفحتين في أي موضوع، ولكن التطور في الاداء الكتابي ساعدني وساعد كثيرين من طلبة الدكتور عيسى في الابداع في الكتابة الجيدة. وقد وصل الأمر بأن نستطيع الكتابة عن موضوع معين حوالي ستمائة كلمة او اكثر خلال حصة واحدة، لا تتجاوز الـ45 دقيقة، أي أنه علمنا ودربنا على الكتابة السليمة والصحيحة.

التربية والتعليم لم تكن هي الهم الأول والاخير لأستاذنا دكتور عيسى، ولكنه قد زرع فينا أيضاً حب الوطن حيث كان هو وطنياً الى أبعد الحدود، فأي قصيدة حديثة تصل اليه، وبخاصة حول حرب حزيران 1967، كان لا يتردد في قراءتها ومناقشتها معنا، وأذكر بالتحديد قصائد الشاعر الكبير نزار قباني ومنها قصيدة "هوامش على دفتر النكسة" وقصيدة "فتح".

وبعد اغترابه، لم تنقطع صلتي به، فقد تراسلنا باستمرار، وكم كانت سعادته كبيرة عندما اخبرته حول اصدار مجلة "البيادر الأدبي" .. وقد طلبت منه الا يرّوس رسائله لي بـ "استاذي جاك" ، لأنه هو استاذي ومعلمي وهو الذي له الفضل الأكبر في اتقاني الكتابة وتشجيعي عليها، فرد علي: انت أستاذ، وافتخر بك وبمجلة البيادر التي أقرأها بتمعن.

وكانت من مميزات هذا الأديب والاستاذ والكاتب الفذ انه لم يتردد بتقديم المساعدة لأي طالب كان يدرس في جامعة "ماك جيل" الكندية، وبخاصة ان كان فلسطينياً او عربياً.

لقد أحب القدس، ولم ينسها أبدا، وقد لمست هذه المحبة للقدس من خلال كل حرف من حروف كلمات رسائله التي كانت تصلني منه، والتي كانت تعبر عن مدى شوقه واشتياقه لكل ذرة من ترابها، ولكل حجر من حجارتها، ولكل زاوية وحارة من حاراتها، فهو ابن القدس حتى وان ابتعد عنها، ولكنها لم تبتعد عنه الا بالمسافات وبقيت تجري في دمه وفي وجدانه وفي كل نبضة من نبضات قلبه.

رحل الاستاذ عيسى بلاطة عن هذه الدنيا، ولكن رحيله جسدي فقط، فهو باق بفكره وروحه وكتاباته المبدعة، وفي كل ما قدمه من عطاء لأجيال وأجيال، والتي ستبقى في ذاكرتنا وفي تاريخ قدسنا الى الأبد.

لأستاذي الحبيب الراحل أقول: "لن انساك يا استاذي، يا رمز العطاء والابداع، يا أفضل وأوفى معلم ومربي عرفته في حياتي ، فكل الفضل لك في شغفي في القراءة والكتابة، والاهم في تعزيز حب الوطن والمشاعر الوطنية لدي، والتي استطعت غرزها في نفسي خلال عام دراسي جميل، لن أنساه أبداً  ، وسأظل اشكرك طوال عمري ولسان حالي يقول: من علمني حرفاً أخلصت له ودا ووفاء، وسأحفظ له جميله مدى الحياة، فكيف وقد علمتني الكثير الكثير" .

وأخيراً وليس آخراً، كلي أمل أن يكرم هذا الانسان الجامعي المبدع لأنه يستحق اكثر من ذلك بكثير.  

بقلم/ جاك يوسف خزمو