كانت الدورات التثقيفية النظرية، ومازالت وفق تقديراتي، من المهمات الأساسية داخل التنظيم، وخاصة عند القوى اليسارية في الساحة الفلسطينية، وقد تحوّلت تلك الدورات الى مبارزة وافتنان بين القوى اليسارية، من حيث برامج الدورات وعددها، وامتلاك الكادر للزاد النظري والمعرفي، وقدرته على الحوار والنقاش، واستعراض النظريات والمواقف، والتجارب اليسارية، وخاصة تاريخ الثورة البلشفية، وصولاً لعملية "نحت المصطلحات" وتعميمها.
وزاد من ذلك مجموعة الدورات الخارجية، التي كانت تبتعثها تلك القوى الى الدول الإشتراكية السابقة، الدورات الحزبية، ودورات الشبيبة (الكومسمول) وغيرها، ليعود كل كادر معتقداً بأنه بات يمتلك القدرة والكفاءة على التنظير وبالصوت العالي.
المشكلة، أن تلك الفصائل اليسارية، كانت تتخذ من تلك الدورات الخارجية، سياستين : السياسة رقم (1) التي كانت تتبعها بعض الفصائل اليسارية بالتركيز على انتقاء صفوة الكوادر للدورات الخارجية، من حيث الإلتزام، والكفاءة، والتعلم، والإستفادة. والسياسة رقم (2) لباقي الفصائل اليسارية التي كانت تُرشّح وتدفع نحو تلك الدورات الخارجية، كل كادرٍ تُريد التخلص منه في هيئته التنظيمية، ليعود الى موقع أخر تريده هي، فضلاً عن رشوة كوادر أخرين بتلك الدورات لتصبح نزهة خارجية وتغيير جو لا أكثر،
الطريف أنه في احدى تلك الدورات الخارجية عند الفصائل التي تتبع السياسية رقم (2)، وكان عديد تلك الدورة (15) عضواً، أن بقي جميعهم حيث هم بعد انتهاء الدورة، وتزوجوا من فتيات البلد اياه (بلغاريا)، وهاجروا باتجاه الغرب الأوربي بطريقة فيها الكثير من المخاتلة، ولم يعد منهم الى سوريا ولبنان سوى كادر واحد.
وهنا، وبمناسبة الحديث عن تلك الدورات والعملية التثقيفية، اذكر حادثة طريفة (لا أتبناها ولا ادافع عنها) وقعت مع أحد شبان مخيم اليرموك (ع،ش) من الظرفاء، ومن الأميين الذين تركوا المدرسة مُبكّراً، وممن انتسب لفصيل يساري عام 1975، أنه اضطر لمغادرة الفصيل بسبب من روتين الإجتماعات، وبرنامج التثقف، فغادر التنظيم وابلغ مسؤوله وباللهجة العامية الفلسطينية :
" كنت كل اتخانق مع ابوي مشان أبطّل من المدرسة، جايين تحطوني بمدرسة ودراسة من جديد عد ماصار عمري عشرين سنة... أنا عمي اجيت مشان فلسطين مش مشان لينين وفلين".
بقلم/ علي بدوان