الذكرى الواحدة والسبعون لنكبة فلسطين ليس كما سبقتها من ذكريات، إنها الذكرى التي تخبئ المفاجآت، وترفرف بالأمنيات، ولولا الانقسام الفلسطيني، وإصرار قيادة منظمة التحرير على معاقبة غزة، والتفرد بالقرار، لقلت: إن ذكرى النكبة هذا العام، تحمل لشعبنا الفلسطيني البشائر، وتقدم الإجابة على عشرات الأسئلة التي أغرقت القضية الفلسطينية في التيه السياسي.
1ـ تجيء ذكرى النكبة هذا العام، وقد أمست السياسة الأمريكية واضحة المعالم، وهذا أمر يخدم القضية الفلسطينية، فانكشاف وجه العدو الأمريكي في المعركة أقل خطراً وضرراً من التخفي خلف الأقنعة الزائفة للحلول السياسية العبثية التي رعتها أمريكا لعشرات السنين.
2ـ تجئ ذكرى النكبة تحت ظلال سيف الاحتلال الذي يفتح شدقيه لضم معظم أراضي الضفة الغربية، وهذا الانجلاء للأطماع الإسرائيلية كفيل بأن يحرك القوى السياسية للخروج من دائرة السلام الزائف بحل الدولتين، إلى دائرة المواجهة المكشوفة مع العدو الصهيوني.
3ـ تجيئ ذكرى النكبة، وقد أدرك الفلسطينيون بغالبيتهم أنهم نواة الحراك ضد تصفية قضيتهم، فإن لم يكونوا لأنفسهم فلن يكون أحد لهم، هذه الحقائق كفيلة بإيقاظ الوعي الوطني على خطورة المرحلة، وضرورة تجاوز التجربة السياسية الفلسطينية الماضية دون أسف عليها.
4ـ تجيئ ذكرى النكبة هذا العام ولدى الشعب الفلسطيني غرفة العمليات المشتركة، ولديه المقاومة المسلحة التي فرضت نفسها نداً في أكثر من مواجهة مع الصهاينة، وهذه مفخرة فلسطينية، غابت عن مفاصل السياسة الفلسطينية منذ عام 82، عام رحيل البندقية من بيروت.
5ـ تجئ ذكرى النكبة ومعها مسيرات العودة على السياج الحدودي، لتعلن بصوت وطني أن لفلسطين أهالها، وأن وجه الأرض مجبول بإرادة شعب استطاع كسر حصار غزة عنوة، واستطاع أن ينجح إضراب الأسرى في السجون الإسرائيلية.
6ـ تجيئ ذكرى النكبة وقد أظهرت الضفة الغربية بطولات تزغرد لها الروح الوطنية، بطولات رجال رسموا بدمهم الطازج معالم مرحلة من المقاومة؛ سيقودها شباب الضفة الغربية بالثقة الوثابة التي لا يفقه فضلها الانهزاميون.
وبدل البكاء السنوي المعتاد في ذكرى النكبة، وبدل اللطم على ما ضاع من أرض فلسطين، وعلى ضوء المعطيات الراهنة، فإن الواجب الوطني يقضي:
1ـ أن تصرخ جماهير الشعب الفلسطيني وقواه السياسية بصوت واحد: كفى للتفرد بالقرار السياسي الفلسطيني، نعم للوحدة الوطنية على أسس المواجهة لمشاريع تصفية القضية، نعم للمواجهة الميدانية مع الاحتلال الإسرائيلي في كل الساحات، وبكل الطاقات.
2ـ لا لصفقة القرن التي تقوم على فكرة خبيثة، يرددها للمبعوث الأمريكي جيسون جرينبلات، والتي تقول: بأن الماضي وراء ظهورنا، وأن صفقة القرن يتم تأسيسها على الواقع القائم، لذا يجب العمل على مواصلة إحياء الذاكرة، واستحضار ماضي المدن والقرى الفلسطينية المغتصبة، والعمل على تقويض الواقع القائم بسواعد شباب فلسطين، وهم القادرون على خلق واقع جديد من خلال الوقائع اليومية على أرض غزة والضفة الغربية.
د. فايز أبو شمالة