اهتمام الشيخ بأسرى الكويت وعدم زيارته للعراق وجمعه لأموال طائلة

بقلم: سري سمور

إثارة الشيخ أحمد ياسين لموضوع مئات المواطنين الكويتيين الذين غيبوا قسريا بعد احتلال الكويت من قبل السلطات العراقية، وهو ملف لم يجد اهتماما دوليا جدّيا؛ فما يضير الولايات المتحدة لو حقد الكويتي على العراقي حقدا مضاعفا متجددا؟ فهي يهمها النفط وتجريد العراق من أسلحته.

 

أسرى فلسطين أولى باهتمام الشيخ!

مما قيل وقتها بأنه كان على الشيخ أحمد ياسين أن يركز اهتمامه على أسرى الشعب الفلسطيني، وعددهم بالآلاف في السجون الإسرائيلية، بدل اهتمامه بموضوع أسرى الكويت في السجون العراقية! هذا النقد ليس في محله من جوانب عدة؛ فالحق لا يجزّأ، والثوري الصادق من يسعى ولو بكلمة لرفع الظلم عن أي مظلوم كان، ولا يجرؤ أحد على اتهام الشيخ بإهمال المظلوميات الأخرى، فقد ذكرنا ما كان من حديثه عن إخوان سورية أمام حافظ الأسد.

كما أن الشيخ الخارج لتوّه من سجون الاحتلال محال أن ينسى إخوانه الذين تركهم خلفه، وهو يقود حركة نفذت عدة عمليات خطف جنود بغرض مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، فقضية أسرى فلسطين لم تفارق يوما اهتمام الشيخ؛ ومن أين جاءت المعادلة الغريبة بأن التعاطف مع أسرى الكويت في العراق نقيض أو لا يستقيم مع الاهتمام بأسرى فلسطين؟! ومن جهة أخرى كان الشيخ أول قيادي فلسطيني يزور الكويت بعد القطيعة جرّاء اتهام الكويت م.ت.ف بتأييد الغزو العراقي، وقد رافق ذلك دعاية كبيرة تجندت لها أفواه وأقلام، اتهمت الفلسطينيين بـ(نكران الجميل) وشوهت صورتهم مما تسبب في أعمال انتقامية ضدهم، وثق بعضها الطبيب الفلسطيني (محمد خيري لبادة) في كتاب موسوم بـ(هكذا عذبونا في الكويت)!

 

ولكسر الجليد كما يقال في العلاقات كان لا بد من إيضاح بعض الأمور أمام الكويتيين حكومة وشعبا، وخاصة أن الكويت تحديدا لها تاريخ مع كثير من قادة ورموز الفصائل الفلسطينية (عرفات وكنفاني ومشعل مثلا) ممن عاشوا وعملوا ودرسوا فيها. كما أن هناك أنباء أفادت بطلب الكويت من الشيخ التدخل في موضوع أسراها، وهو أبدى استعدادا للتوسط لحل هذه المسألة، ولكن الشيخ في جولته لم يقم بزيارة العراق، مع أنه قيل إنه تلقى دعوة للقيام بزيارته، ما فتح بابا جديدا لتوجيه سهام النقد للشيخ!

 

لماذا لم يزر الشيخ العراق؟!

زيارة الشيخ للكويت ودول الخليج الأخرى المتحاملة على العراق وصدام حسين، وزيارته لإيران التي بينها وبين صدام ما صنع الحداد، أثارت بعض الانتقادات من أكثر من طرف، ولأسباب مختلفة، ولكن قيل إن الشيخ لم يقم بتلك الزيارة مجاملة للكويت، وفضّل علاقات مع الكويت على علاقة مع العراق. هذا في وقت كان العراق فيه قد أُخرج من معادلة التأثير على الساحة الإقليمية والعربية، وهذا طبعا يشمل قضية فلسطين؛ ولولا تحطيم جيش العراق لما كان هناك لا مدريد ولا أوسلو ولا وادي عربة، ولا مفاوضات ثنائية أو متعددة الأطراف، ولا مكاتب تمثيل دبلوماسي أو تجاري، وهذه من البدهيات.

 

ولن تضفي زيارة الشيخ إلى العراق شيئا جديدا على المشهد السياسي، بعكس الإعلامي، مع أنني شخصيا تمنيت، ولم أتخلى عن أمنيتي، أن يقوم الشيخ بزيارة بغداد، ولكن عدم قيامه بتلك الزيارة لا يضعه في موقع الشبهة والاتهام إطلاقا، نظرا لموقفه وموقف حركته المعروف من الحصار والعدوان الأمريكي. ولكن ربما الأمر فني وصحي؛ فالعراق كان محاصرا وكان المنفذ الوحيد له على العالم الخارجي، هو نقطة عبور برية عبر الأردن في منطقة طريبيل في الأنبار، ووضع الشيخ الصحي ما كان ليسمح له بقطع تلك المسافة برا والتي تبلغ بضع مئات من الكيلومترات، ولن يتحمل وهو المقعد المريض وعثاء السفر عبر تلك الصحاري، ولو استخدم سيارة دفع رباعي.

 

ملايين جمعها... وضرورة المال

الإعلام الصهيوني هاجم جولة الشيخ وحرّض عليها وتحدث عن نجاح الشيخ بجمع عشرات الملايين من الدولارات (قيل 50 مليون دولار) في جولته تلك، وأن تلك الأموال ستستخدم في (تمويل الإرهاب). وبغض النظر عن كون الشيخ جمع هذا المبلغ أو أقل منه أو أكثر، فإن هذا نجاح إضافي له، فقد سمحت السلطات الخليجية للمواطنين والمقيمين بتقديم التبرعات في حضرة الشيخ، وهذا المال سيخدم نشاطات مختلفة، وساهم في تمويل جميعات ومؤسسات أشرف الشيخ عليها مباشرة.

وهنا يجب التنويه والتذكير أن الشيخ أحمد ياسين قبل تأسيس حركة حماس وبعدها وحتى ارتقائه شهيدا، ظل يساعد الفقراء والمحتاجين، بمبادرة منه، أو عبر الجمعيات والمؤسسات الخيرية التابعة للحركة الإسلامية، أو مباشرة لمواطنين كانوا يطرقون بابه طالبين مساعدته، ويروي أفراد عائلته أنه مرة جاءه من يطلب المساعدة ممن أثقلت الفاقة كاهلهم ولم يكن في بيت الشيخ سوى مئة دولار، فلم يحتفظ الشيخ بها، وقدمها لذلك المحتاج، كي لا يرده خائبا بعد أن طرق بابه متأملا شيئا مما يسد الرمق.

 

ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن العُرف السائد عند الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، هو التعامل مع القادة والشخصيات العامة والساسة، ليس فقط كمقاومين للاحتلال، بل جرت العادة على اللجوء إليهم لحل مشكلات وخلافات عائلية وشخصية، وهذا قد يتطلب من القائد أن ينفق بعض المال لتسوية مشكلة ما، وأيضا يلجأ عدد لا يستهان به من الأهالي إلى القيادات طلبا لمساعدات مالية بهدف دفع أقساط جامعية أو تكاليف علاج أو عمليات جراحية، أو ثمن دواء مرتفع السعر، أو المساعدة في توظيف خريج أو عاطل عن العمل في مؤسسة ما، حتى لو لم تكن تلك المؤسسة تتبع له، نظرا لأملهم بأن يستخدم علاقاته وشخصيته الاعتبارية لهكذا أمر.

 

وهذا متعارف عليه في الواقع الفلسطيني، ولا أدري هل يعرفه من هم خارج فلسطين أم لا. والعبرة أن المال وتوفره ضروري جدا للقيادي الشعبي، ولا شك أن الشيخ أحمد ياسين كان بحاجة إلى هذا المال في ذلك الوقت، مع الإشارة ضمنا بأنه على المستوى المعيشي له ولأفراد عائلته ظل يعيش في تقشف مبالغ فيه، مستوحيا سنن الزاهدين من السلف فعليا. ولكن حاجة الشيخ لم تكن تقتصر على الدعم المالي، فهناك الدعم السياسي والإعلامي والعسكري، وهذا يجعل تشعب وتنوّع العلاقات ضرورة ملزمة، في وجود الشيخ في الدنيا وبعد التحاقه بالرفيق الأعلى.

 

 فبصراحة لا توجد أي دولة يمكن أن تدعم النشاط العسكري لحماس سوى إيران، وفي نفس الوقت لا يمكن الركون للدعم الإيراني الذي قد ينقطع أو يقل لسبب أو لآخر، أو يجعلك رهينة مواقف وسياسات. فتنويع مصادر الدعم ضرورة، ومن السخافة المزايدة على أية دولة لأنها لا تستطيع أن تدعم إلا في جانب معين؛ فلكل حدوده وظروفه. وأكرر ضرورة التعلم من الصهاينة في تشعب العلاقات وتنوعها واستفادتهم من ذلك منذ عقود طويلة. وقد حصل الشيخ على مال إيراني وخليجي، وعلى الدعم السياسي والإعلامي السوري والإيراني، وكانت جولته تحريكا يشبه نكش القضية الحية في وجدان الجماهير العربية والإسلامية...وفي المقال القادم إن شاء الله نتحدث عن محاور أخرى في سيرة الشيخ.

   سري سمور     كاتب ومدون فلسطيني