في يوم النكبة أحن إلى المجدل

بقلم: رأفت حمدونة

في يوم النكبة الواحد والسبعين ، في الخامس عشر من أيار/ مايو من هذا العام وفى كل عام ، نكتب عن مدننا وقرانا وأرضنا المسلوبة والمسروقة ، نتذكر ونذكر أبنائنا أصحاب الحق التاريخيين بالانتماء وحق العودة والحنين للدار القديمة، وننغص حياة السارقين برسالة مفادها " أن نظريتكم الكبار يموتون والصغار ينسون " مجرد وهم كأساطيركم وأحلامكم المزيفة .

 

أكتب في هذا اليوم عن المجدل- عسقلان وأنا أبكى لاسترجاع الذكريات الأليمة ، التي تحفر في أعماقى جذور الانتماء ، وأتذكر يوم أن اصطحبنى جدى لبيتنا الأبيض بمعالمه العتيقة وبأحجاره الجميلة ، وهو يشهدنى على التاريخ والواقع وحقيقة المستقبل الواحدة وهى " حتمية العودة " ، العودة للديار ، للأحجار ، للأشجار ، للأسوار ، للحضارة والتاريخ ولمدينة الأنوار .

 

عسقلان - المجدل في نظرى كبقية المدن الفلسطينية ، قطعة من الجنة على الأرض وهبها الله لأهلها، كانت ولا زالت من أجمل المدن على شاطىء البحر المتوسط منذ آلاف السنين ما قبل الميلاد ، ذات الموقع الاستراتيجي للتجار والمسافرين ، تلك العروس المتزينة بالهدايا واهتمامات الأمم والحضارات ، أقام فيها الكنعانيون السراديب والأروقة والأبراج وأقاموا حولها حصنًا حصينًا يحميها من الغزاة، وازدهرت في عهد اليونانيين.

 

في المجدل ولد الملك هيرود في 73 قبل الميلاد ، وأقام فيها القصور الفارهة والمسارح والحمامات والأعمدة والحدائق والقاعات الواسعة ،عسقلان أرض الرباط والبطولات والجهاد عاشت في كنف الإسلام خمسة قرون، نهل أهلها من الكثير الكثير من العلوم والثقافة والحضارة ، وطمع فيها الغزاة كالصليبين فجمعوا عتادهم وجيوشهم ولم تسقط في يدهم إلا بعد حصار دام سبعة شهور.

 

        لم يسلم المسلمون بسقوطها، فأعادها القائد الإسلامي العظيم صلاح الدين، فأعاد الصليبيون قوتهم ولم يكن أمامه بد إلا تدميرها وقلبه يعتصر ألمًا عليها ويقول: "لأن أدمر حجرًا من عسقلان أصعب علي من أن أفقد كل أبنائي" وحينما سقطت ثانية أعاد بناءها الغازي ريتشارد قلب الأسد في العام 1192م، ولكنها كانت أغلى على المسلمين، فتم إعادتها بعد دماء عزيزة تدفقت على أرضها وتشهد على قيمتها ومكانتها وعشق كل غيور مسلم لكل حبة تراب من أرضها ارتوت بدماء الطاهرين من أجدادنا.

 

هذه بلدى التي سجننى الاحتلال فيها على مقربة من بيت العائلة لسنوات ، كان يصبرنى حينها نسيم البحر ، ورائحة الأرض ، وامل الأجداد والأجيال بالعودة اليها عاجلاً أم اجلاً ، وحينها سنحول جدران سجن الاحتلال الذى أقمنا فيه أجمل سنوات أعمارنا وشبابنا بعزة وإباء إلى حدائق وسنابل وأشجار برتقال وزهور جميلة تذكر كل من زارها بزهرات سنوات أبناء شعبنا الذين قضوا أعمارهم فيه على أمل العودة ، وليس على الله ببعيد .

 

 / بقلم الدكتور رأفت حمدونة

عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين