أدرك الوزير القطري محمد العمادي خطأه، وعمد إلى توضيح التصريح الذي أدلى به، وأغضب الكثير من الفلسطينيين، فجاء التوضيح سريعاً ليتدارك الرجل الخطل اللفظي الذي وقع فيه، ويضع النقاط على حروف موقف قطر من القضية الفلسطينية بشكل عام، وعلى موقفه الشخصي ومسعاه في تحقيق التهدئة، وفي تقديم المساعدات إلى غزة، وفي تقديري أن التوضيح بحد ذاته يعكس رجولة وشهامة في مجتمع عربي يأبى فيه المسؤول الاعتراف بأخطائه.
كان يتوجب على منتقدي الوزير العمادي قراءة تصريحاته ضمن السياق العام لمهمة السفير القطري، فالرجل لا يأخذ الموافقة الإسرائيلية على إدخال أي مبالغ مالية إلى قطاع غزة إلا بمقابل، وضمن تفاوض شاق، وصل أحياناً إلى حد إطلاق الصواريخ، وقصف المدن الإسرائيلية، والرجل يبذل جهداً للحصول على الموافقة الإسرائيلية لزيادة كمية الكهرباء لغزة، وتشترط إسرائيل لذلك مقابلاً، وهكذا مع مشتقات البترول، ومع حاجات مصلحة المياه، ومع كل قطرة حياة تعبر إلى غزة من البوابة الإسرائيلية، تم التوافق حولها، والتوصل إلى صيغة تفاهمات بشأنها، وهذا ما تم توثيقه برعاية مصرية وأممية وقطرية.
نعم، لقد وقع الوزير العمادي في الخطأ، ولكنه اعتذر، ومع ذلك فقد التقط قادة بعض التنظيمات الصغيرة تصريحات الوزير القطري محمد العمادي، وراحوا يصبون الزيت على جرح غزة النازف، وراحوا يشوهون صورة الرجل ومواقفه بشكل متعمد، ونسوا أن عديد التنظيمات الفلسطينية تقف ضد المقاومة، وتحرض عليها علانية، ونسوا أن عديد القادة الفلسطينيين يحاربون المقاومة إلى الدرجة التي يتعاونون أمنياً مع المخابرات الإسرائيلية، بل وصل الأمر ببعض التنظيمات أن تطعن ظهر مسيرات العودة، وعدم المشاركة فيها، بل تم التشنيع عليها بألفاظ لا يجرؤ العمادي وغيره على ذكرها، وحين تحدث العمادي بجملة، انقضوا عليه وكأنهم رعاة المقاومة ووقودها الصخري، وكأنهم هم الذين يحشدون إلى مسيرات العودة، ويقدمون دماءهم على السياج.
الوزير العمادي يمثل دولة قطر، ودولة قطر حاضرة في رغيف خبز غزة، ودولة قطر تقطر روحها الوطنية مع كل قطرة ماء عذبة يشربها طفل فلسطيني، ودولة قطر تضئ عتمة غزة بأموالها، وهي التي تطرق بيوت عشرات آلاف المحتاجين، وتقدم له المساعدة المالية، ودولة قطر لها الفضل في تسيير حركة المرور بشكل محترم على شارع صلاح الدين، ودولة قطر وفرت البيت لآلاف الفلسطينيين القاطنين في مدينة الأمير حمد، وفي مدينة الأسرى، وفي كل عمل خيري، ومشروع إنساني، لما تزل قطر تقدم له التمويل المالي.
سأقول شكراً قطر، لقد خففتم من معاناة غزة فاشرأب عنقها، في الوقت الذي ضيق فيه الأقربون الخناق على أهل غزة، ليجز عنقها، فشكراً قطر العربية، قطر النخوة والمروءة.
د. فايز أبو شمالة