ألمانيا وازدواجية المعايير: شيطنة إلـ BDS نموذجاً

بقلم: حسام الدجني

وافق مجلس النواب الاتحادي الألماني (البوندستاغ) قبل أيام على مشروع قانون يدين حركة مقاطعة (إسرائيل) وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة دولياً بـ  BDS ويصفها بأنها معادية للسامية.

ما هي دوافع البرلمان الألماني لاتخاذ هكذا قرار..؟ وما هو موقع  BDS في الاستراتيجية الصهيونية..؟ وما هو المطلوب لحماية BDS وضمان ديمومتها واستمراريتها ...؟

أولاً: دوافع البرلمان الألماني لاتهام BDS بأنها معادية للسامية (اليهود).

مازالت ألمانيا تشعر بعقدة الذنب لما قام به النازيون من مذابح بحق اليهود (الهولوكوست)، ومنذ ذلك الوقت تحاول ألمانيا بأحزابها المختلفة كسب ود إسرائيل، لذا وجدت أن التصويت على مشروع قانون يصنف حركة المقاطعة لإسرائيل BDS أنها حركة معادية للسامية يندرج ضمن السياق، رغم ما تتسم به BDS من احترامها للقانون والنظام في الدول التي تعمل بها.

إن عقدة الذنب التي يشعر بها الألمان تعكس ازدواجية معايير وانفصام داخل المركب الثقافي لدى المجتمع الالماني، وهذا الاستنتاج نابع من حتمية أن الانسانية لا تجزأ، وأن المجتمع الألماني كما يشعر بعقدة الذنب من مذابح النازيين ضد اليهود، لماذا لا يشعر نفس المجتمع ما تعرضت له أقلية الغجر في ألمانيا من إبادة جماعية عندما قام النازيون في سنة 1943 بجمع أكثر من 500 ألف من الغجر من الدول الأوروبية التي كانت واقعة تحت الحكم النازي، وتمت إبادتهم بشكل بطريقة وحشية.

ثانياً: موقع  BDS في الاستراتيجية الصهيونية.

مؤتمر هرتسيليا يعقد بشكل سنوي، ويبحث مستقبل (إسرائيل) ويقيم المخاطر المحيطة بها، وتشارك فيه قيادات حكومية وأمنية ودبلوماسية وضيوف من دول مختلفة، والمفارقة العجيبة أنه في أحد الأعوام السابقة ناقش المؤتمر موضوع المقاطعة بينما كان يحضر ممثل عن اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني، وضيوف عرب آخرون.

 كيف تناول المؤتمر حينها حركة مقاطعة (إسرائيل) B.D.S ؟ وما هي الاستراتيجية المضادة..؟

عقدت جلسة للبحث في تحديات وأخطار حركة المقاطعة الدولية (BDS) على دولة الاحتلال، مع تشويه حقيقة الحركة، وتحويلها من حركة تدعو إلى مقاطعة الاحتلال والمستوطنات إلى أخرى تتستر وراء حق انتقاد الممارسات الصهيونية، وسياسات الاحتلال لكونها حركة لا سامية معادية لليهود. وزير الداخلية الإسرائيلي حينها، جلعاد أردان، استعرض وللمرة الأولى، الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية لمواجهة حركة المقاطعة الدولية. وحدد أردان، في مداخلته، الأسباب الرئيسة التي يعتبرها مؤثرة لجهة تعزيز ونمو حركة المقاطعة. وبحسب أردان، فإن الشبكات الاجتماعية والتطور التكنولوجي، على غرار تطوير الأجهزة الذكية، ساهمت بشكل كبير في نشر رسالة حركة المقاطعة الدولية، إلى جانب قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، منذ عام 2009، بعدم العودة إلى طاولة المفاوضات، وهو ما سهل على الطرف الفلسطيني عبر استغلال الصور، التي يتم بثها من الضفة الغربية، في الترويج لسياسات مناهضة لـ(إسرائيل) والانتقال من انتقاد هذه السياسات إلى عملية نزع الشرعية عن (إسرائيل) ووجودها.

وضعت الحكومة الإسرائيلية استراتيجية تشبه تكتيكات الحروب لمواجهة حركة المقاطعة الدولية".

واعتبر أردان أن تعاظم دور المجتمع المدني ومنظماته، ورواج خطاب حقوق الإنسان، مع "الجهل في المعلومات"، بحسب ادعائه، زاد من انتشار خطاب حركات المقاطعة الدولية. وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية وضعت، العام الماضي، للمرة الأولى، إستراتيجية واضحة تقوم على أربعة أسس لمحاربة ومواجهة حركة الـ"BDS".

الخطوة الأولى في الاستراتيجية الإسرائيلية، هي كما في أية حرب عادية، جمع المعلومات الاستخبارية عن الجماعات والحركات الناشطة في مجال مقاطعة (إسرائيل)، مع جمع معلومات أولية عن هوية الناشطين، ونواياهم، وعن الفعاليات والنشاطات المقررة قبل موعد تطبيقها حتى يتسنى لـ(إسرائيل) العمل والتحرك ضد هذه النشاطات.

العنصر الثاني في الاستراتيجية الإسرائيلية، يقوم، على عنصر الردع، وأنّ رسالة الردع الإسرائيلية مفادها أن الانخراط في نشاطات حركة المقاطعة لن يكون مجدياً لصاحبها، وسيكون له ثمن باهظ يدفعه صاحبه، سواء كان المقصود فرداً عادياً أم جمعية ومنظمة، إذ سيكون عليها أن تتحمل تبعات الانخراط، بما في ذلك إلحاق ضرر بالغ بها، وملاحقة حساباتها المصرفية، ومواردها الاقتصادية والتضييق عليها.

العنصر الثالث هو الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وإدخال حركات المقاطعة الدولية، ونشطائها في خانة الدفاع عن أنفسهم بدلاً من الهجوم على (إسرائيل). ويعني ذلك، التركيز على مصادر تمويل هذه الحركات، والبحث عن رابط أو علاقة بين مموليها وبين "منظمات إرهابية"، حتى تضطر هذه الجمعيات والحركات إلى الدفاع عن نفسها، وإبراز وتقديم معلومات عن مصادر تمويلها. وفي حال تبين أنها تخرق القوانين في بلادها، فيتم التوجه إلى سلاح المحاكم والقضاء لمصادرة أموالها أو تجميد أرصدتها.

تهدف إستراتيجية الاحتلال إلى محاصرة BDS إعلامياً وشعبياً وإلكترونياً لتشويه صورتها وتقويض جهودها.

أما العنصر الرابع، فيقوم على الانتقال إلى الدعاية والتوجيه الإعلامي، لجهة تحسين صورة (إسرائيل) أمام المجتمع الدولي وفي المحافل المختلفة، وتوجيه وفود طلاب ورجال أعمال وأنصار لـ(إسرائيل) إلى مختلف المؤتمرات والساحات، التي تدور فيها رحى "حرب المقاطعة" مثل الجامعات الأوروبية والأميركية، وإبراز "إيجابيات (إسرائيل)"، ونفي الدعاية اللا سامية ضدها، والتأكيد على أن حركة المقاطعة هي غطاء لمعاداة السامية ورفض حق (إسرائيل) في الوجود.

وفي السياق نفسه، اعتبر رئيس حركة "رؤوت"، التي تنشط في مجال محاربة حركة المقاطعة، غدي غريندشتاين، أن الحركة يجب أن تكون وفق الخطاب الإسرائيلي محاربة لمعاداة السامية، خصوصاً أنها تشهد تنامياً كبيراً في أوروبا بفعل ما سماه بـ"اللقاء بين حركات اليسار الأوروبي الراديكالي وبين الإسلام المتطرف"، وهي تنتقل من أوروبا إلى الولايات المتحدة، وبالتالي يجب وقف هذا الزحف ومواجهته.

ومن أخطر ما كشف عنه غريندشتاين هو كون نشطاء هذه الحركات يأتون في الولايات المتحدة من وسط الجمهور، المعروف بأنه تقدمي وليبرالي، ومن ضمنه نسبة كبيرة من اليهود. وهؤلاء يشكلون مخزوناً كبيراً لهذه الحركة، ومن أبرزهم، الناشطة اليهودية سيمون زيمرمان، التي جاءت من قلب الإجماع اليهودي في الولايات المتحدة، وحتى من خريجي جمعيات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة "إيباك".

ولفت غريندشتاين إلى أنه سيكون على (إسرائيل) عدم الاكتفاء بالاتصال بقادة الدول والحكومات، وإنما العمل في صفوف الشرائح الاجتماعية المختلفة، خصوصاً في أوساط الشباب، والمجموعات المختلفة، وفي مقدمتها الأميركيون من أصول إسبانية ولاتينية، والأميركيون السود. وطالب بتعزيز الاتصال بهذه الشرائح والمنظمات، وتعزيز الروابط مع من يمكن لهم أن يكونوا قادة دولهم في المستقبل. ويشير إلى أن عدم الوصول إلى هذه الشرائح ينذر بتحول حركة المقاطعة الدولية إلى خطر إستراتيجي حقيقي على بقاء (إسرائيل) كدولة يهودية، خصوصاً أن قادة الـ"BDS" لا يسعون إلى حل الدولتين، إنما إلى دولة واحدة، من خلال استلهام تجربة جنوب أفريقيا، مما يهدد بتغيير النظام السياسي في (إسرائيل)، وضياع نموذج الدولة اليهودية.

مما سبق نخلص إلى جوهر الاستراتيجية الاسرائيلية التي تم الاعلان عنها عام 2015 في مؤتمر هرتسليا واليوم تحصد إسرائيل أولى ثمارها وحتى لا يتكرر ما حصل في ألمانيا في العواصم الغربية الأخرى لابد من دور دبلوماسي عربي إسلامي للحديث مع ألمانيا وبشكل موازي تتحرك الجاليات العربية والإسلامية وأحرار العالم للضغط على البرلمان الألماني والحكومة لمراجعة القرار.

بقلم/ د. حسام الدجني

[email protected]