استمرار واقع التمييز سيعمق ظواهر العنف المدني في المجتمع العربي!!

بقلم: نبيل عودة

*الارهاب المدني السائد بالمجتمع العربي، هو تدمير للبنية المدنية للعرب في اسرائيل*%54 من العائلات العربية تعيش تحت

خط الفقر، بينما نسبة الفقر الكلية تصل 20%* دخل العامل اليهودي يفوق نظيره العربي بنسبة 42% وبين العاملات 28%*

تلقيت تعقيبات عديدة، خاصة من العالم العربي ومن كندا واوروبا، حول مقالي السابق عن الارهاب المدني الذي بات يسود مجتمعنا العربي في اسرائيل. الرسائل والتعقيبات كانت بمنتهى القلق، خاصة ما كتبه مهاجرون عرب من اسرائيل، قلقا على مصير شعبهم وعلى ما تبقى من عائلاتهم في الوطن. لدرجة ان أحدهم آلمني واستفزني بقوله: "الحمد لله أنى هاجرت منذ عشرين سنة، سأحث اقاربي، الشباب خاصة على الهجرة".

أحدهم كتب كيف يجوز العنف بمجتمع راق تعتبر نسبة الأكاديميين فيه من أرقي النسب في العالم، واطباء هذا المجتمع العرب أصبحوا يشكلون اكثرية اطباء الجهاز الصحي في اسرائيل؟ وكان أبرز تعقيب، ما كتبه لي الدكتور افنان القاسم وهو محاضر فلسطيني في فرنسا، اديب موسوعي، وله رؤية سياسية حداثية متطورة، كتب لي:" عندنا في فرنسا توجد لرئيس البلدية شرطة بلدية تابعة له. إنه الحل الوحيد الذي أراه لمواجهة العنف المدني عندكم" رأيي ان وجود رئيس سلطة محلية بتواصل مع الجهاز المسؤول عن توفير الحماية للمواطنين هو أمر ضروري، ولا ارى ان اسرائيل بطريقها لتحويل السلطات المحلية الى جهاز مختص بالأمن أيضا، خاصة السلطات المحلية العربية!!

طبعا عرب اسرائيل حالة مستهجنة جدا في الواقع الدولي، خاصة بعد اقرار قانون القومية العنصري الذي أسقط عمليا مكانتهم كمواطنين متساوي الحقوق، وهو مميز تفوقت به اسرائيل على جميع الأنظمة العنصرية التي عرفها التاريخ او تساوت معها على الأقل.

أن الارهاب المدني السائد بالمجتمع العربي، هو تدمير للبنية المدنية للعرب في اسرائيل. ولا اظن ان الأمر مجرد حالة طارئة. كما يبدو ان فشل مشاريع تهجيرنا، ودفعنا لترك وطننا، قد يكون محركا لتجاهل علاج العنف المدني ومسبباته التربوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا وابقاء الخيار مفتوحا لترك الوطن، لكن العنف لن يهاجر، سيغير قوميته ودينه ايضا!!

عشرات آلاف المواطنين العرب تركوا وطنهم بسبب سياسيات التمييز وفقدان فرص العمل والتعليم المناسب، وايضا بسبب تنامي حالات العنف المدني، والعنف العنصري، والتمييز في جميع مجالات الحياة بين المواطنين العرب واليهود، ومشاكل أخرى يعاني منها مجتمعنا، مثل ارتفاع نسبة التطرف بكل اشكاله. لذا مهمتنا ليس الترويج للهجرة، بل ايجاد الحلول لوقف التصدع في مجتمعنا، الذي سيلحق الضرر ايضا بمن يظنون ان فوهة المسدس هي الحل، وبجهاز السلطة الذي يعيش بحلم ان المجتمع العربي ينطبق عليه القول "بطيخ يكسر بعضه" ما دام لم يؤثر بعد بقوة تشكل خطرا طارئا على العنف المدني في الوسط اليهودي. لكن الطريق ممهدة والعنف لا دين ولا قومية له!!

مثلا مدينة الناصرة. قبل عدة أشهر تقرر ادخال فرقة حرس حدود لمدينة الناصرة، ودعيت وقتها لإلقاء محاضرة لتعريف الفرقة على واقع الناصرة، واعرف ان الفرق قامت بعمل واسع، واظن انها انهت عملها وكان وراء قرار ادخالها كما فهمت مواجهة العنف وكشف السلاح غير المرخص الموجود بأيدي المواطنين؟ ما هي نتائج فترة تواجدها في الناصرة؟ لا معلومات لدي. السؤال لماذا لا يتم التنسيق مع رئيس بلدية منتخب او رئيس سلطة محلية، يعرف واقع بلدته وما تعاني منه، لأن الحلول ليست بممارسة العنف المضاد من جهة الشرطة، الذي قد يزيد العنف المدني من الأفراد. انما ايجاد حلول، في حالة الناصرة مثلا يجب ان تجند من اجلها الميزانيات لتحسين واقع المدينة الأكبر والأهم في الوسط العربي، المدينة التي لها مكانة سياحية هامة ومميزة اسرائيليا وعالميا.

الا يحق لهذه المدينة الحصول على ميزانيات، لا اقول خاصة، مع انها تستحق ذلك، انما مساوية لسائر المدن في اسرائيل، وأعني طبعا المدن اليهودية؟

ليس سرا ان ميزانيات السلطات المحلية العربية لا تتساوى مع ميزانيات السلطات المحلية اليهودية. وانا ارى ان تنامي العنف المدني له علاقة بالواقع الصعب جدا للسلطات المحلية العربية بكل ما يتعلق بالميزانيات والتطوير.

السلطات المحلية العربية في إسرائيل تواجه عدة صعوبات: تعالوا نستعرض بعض القضايا الملحة التي اراها وراء اتساع العنف المدني والعجز عن وضع حد له، وارى ان العامل الاجتماعي الاقتصادي يشكل البؤرة الأكثر خطورة على مجتمعنا.

1 – بسبب النقص في المصادر والموارد والميزانيات بالمقارنة مع السلطات المحلية اليهودية في الدولة نلاحظ ان مستوى التطوير للبلدات العربية متخلف باستمرار وراء مستوى التطور في السلطات المحلية اليهودية. السبب ان سياسة التمييز التي يمارسها الحكم المركزي تسبب فجوات خطيرة في التطوير بين السلطات المحلية العربية والسلطات اليهودية.

2 – الادعاء ان العرب لا يدفعون ديونهم للسلطات المحلية، هو صحيح نسبيا فقط، الجباية المنخفضة ليست وليد الصدفة، او ان العرب يتهربون من الدفع، السبب الرئيسي ان معظم السكان العرب هم من أصحاب الدخل المنخفض، بحيث ان جباية الضرائب لا تتجاوز نسبة 25%-30% فقط من ميزانيات السلطات المحلية العربية. مثلا حسب تقارير التأمين القومي، 54% من العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر، بينما نسبة الفقر الكلية في اسرائيل لا تكاد تصل 20%، وهذا ينعكس سلبا على السلطات المحلية العربية، ولا تعويض من السلطة لهذا الواقع ولا تعمل لتطوير الدخل ومساواته للوسط اليهودي.

3 – يفتقد الوسط العربي لبنية اقتصادية متطورة، لا مصانع ولا عمل يستوعب الا نسبة صغيرة من المواطنين العرب في بلداتهم. كلك لا يمكن تجاهل مستوى الأجور المنخفض للوسط العربي. مثلا في تقرير لمركز "إدفا" المتخصص بأبحاث المجتمع الاسرائيلي، اشار الى ازدياد الفقر لدى الاوساط الاجتماعية الضعيفة. حسب معطيات التقرير كانت حصة الفئة العليا في السلم العشري للأوضاع الاجتماعية في العام 2004 بما لا يقل عن 44% من كعكة المدخول المالي للأسر في اسرائيل، فيما اضطرت الاوساط الاجتماعية الضعيفة، الى الاكتفاء بنسبة 6% فقط. وليس سرا ان العرب يشكلون القسم الأكبر من نسبة ال 6%.

تقريبا 40.8% من المواطنين العرب يندمجون في سوق العمل بالمقابل نسبة اليهود تصل الى 60%، هذا الفرق سببه في الاساس الاندماج المنخفض للنساء العربيات في سوق العمل، لعدم وجود عمل مناسب في البلدات العربية. فقط ما يقارب 20% من النساء العربيات مندمجات في سوق العمل بالمقابل 60% من النساء اليهوديات. الدخل الشهري المتوسط للمواطن العربي هو 5419 شيكل بالمقابل يصل لدى اليهودي الى 7949 شيكل. العامل اليهودي يتلقى أجرا يفوق نظيره العربي بنسبة 42%، والعاملة اليهودية أجرها يفوق العاملة العربية بنسبة 28%.

طبعا لا ابرر العنف بالفقر، لكنه دافع لتنامي العنف المدني بغياب أي علاج للواقع الاجتماعي والاقتصادي العربي.

[email protected]

بقلم/ نبيل عودة