رحلة البحث عن الحكومة الخامسة

بقلم: محمد السهلي

فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته الخامسة، لكنه نجح في الوقت نفسه بإثبات أنه الشخص الوحيد الذي يستطيع اليوم تشكيل حكومة في إسرائيل.ولأن رئيس الدولة العبرية يدرك ذلك، لم يكلف غيره بهذه المهمة.

ومع انتهاء المدة القانونية دون تشكيل الحكومة، قررت الكنيست الإسرائيلية حل نفسها والتوجه إلى انتخابات جديدة في شهر أيلول المقبل، في ظل تقديرات أن خارطة المنافسة في الانتخابات لن تكون متطابقة مع الخارطة التي تشكلت في نيسان الماضي، وأن معادلات جديدة ستدخل على خط التحالفات.

ثلاثة أشهر ونصف قادمة من الاستعداد والتحضير لخوض معركة لم تنقشع بعد غبار جولتها السابقة قبل أقل من شهرين. وكثيرون يتوجسون من عدم تحقيق النتيجة التي حققوها في الانتخابات السابقة، وكثيرون أيضا يرون في الانتخابات القريبة القادمة فرصة للتعويض عن خسارة لم يتوقعوا أن تلحق بهم في انتخابات الكنيست الحادية والعشرين.

نجح ليبرمان في أن يكون «مكسر عصا» في وجه طموح نتنياهو ترؤس حكومته الخامسة. ودفعه إلى خوض جميع الخيارات التي يكرهها، من بينها العروض المغرية التي قدمها لكل من حزبي «العمل» و«أزرق أبيض» ورفضاها. وكان من الطبيعي أن يمهد نتنياهو لقرار حل الكنيست وتقرير انتخابات أخرى بالهجوم على ليبرمان، الذي كان أيضا أحد أسباب اللجوء إلى الانتخابات المبكرة في نيسان الماضي.وربما دفعه ماحصل على يد ليبرمان لأن «يتحسر» على عدم تمكن حزب «اليمين الجديد» برئاسة بينيت من تجاوز نسبة الحسم.

ويؤكد فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة حجم الخلافات الكبير بين صفوف معسكرة تجاه الكثير من الملفات والقضايا.وتتفق مواقف بعض أطراف معسكره مع مواقف أحزاب أخرى من المعارضة، بما فيها قانون التجنيد، الذي كان عدم الاتفاق حوله أبرز أسباب الفشل في تشكيل الحكومة. لذلك، من المتوقع أن يعيد نتنياهو حساباته تجاه خريطة المنافسة في الانتخابات

القادمة، فإلى جانب استمرار تشجيعه الأحزاب الصغيرة اليمينية المتطرفة في تعزيز وجودها،سيكون ليبرمان وحزبه مصب الاتهامات من قبل الليكود ورئيسه في الوقت الذي ركز سابقا الهجوم على مكونات تحالف«أزرق ـ أبيض» برئاسة غانتس.

بالمقابل، سيعتبر خصوم نتنياهو ومنافسوه أن فشله في تشكيل الحكومة فرصة ثمينة كي يعيدوا ترتيب صفوفهم وتجاوز أخطائهم في المعركة الانتخابية السابقة. ومن الطبيعي أن يكون ليبرمان وحزبه محط اهتمام وتشجيع من قبل أحزاب المعارضة. وسيعتبر هؤلاء فشل نتنياهو بمثابة «نصف تعويض» عن خسارتهم فرصة تشكيل الحكومة. وعلى الأغلب سيركز خصوم نتنياهو في الفترة القادمة على ملفه القضائي، وهو الرهان الأساسي بالنسبة لهم للحد من طموحات رئيس الوزراء في استمراره على رأس هرم المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل.

ثمة فرصة كبيرة أمام الأحزاب العربية كي تستفيد من التجربة وتعيد حساباتها لصالح إعادة تشكيل «القائمة المشتركة»،التي استطاعوا من خلالها إفشال محاولة تهميش وجودهم في الكنيست.وفي الوقت متسع لإعادة تقييم التجربة وتعميق إيجابياتها ومعالجة الثغرات والأخطاء التي وقعت.ومن الضروري الانتباه في الوقت نفسه إلى معالجة الأسباب التي تؤدي إلى تسرب نحو 30% من الأصوات العربية إلى الأحزاب الصهيونية في الانتخابات الماضية عبر تعميق التواصل مع التجمعات والأوساط العربية بمختلف أجياله ضمن برنامج يجسد طموحاتهم السياسية ويلبي قضاياهم الاجتماعية.ونؤكد هنا على الخلاصات التي خرجت بها «لجنة متابعة قضايا الجماهير العربية» عندما عرضت لأسباب تسرب الأصوات العربية وتداعياته.

ومن الضروري التنبيه في الوقت نفسه إلى جعبة نتنياهو المليئة بالمشاريع والإجراءات العدوانية تجاه الفلسطينيين، وفي مختلف الملفات، الاستيطان والتهويد والحصار والحرب، إلى جانب تطبيقات صفقة القرن ،وجميعها أوراق على طاولة نتنياهو جاهزة للاستخدام. فمن جهة يواصل تطبيق مشروعه الاستعماري، ومن جهة أخرى هي أسلحة في مواجهة منافسيه في الانتخابات باعتباره «الحريص» على تطبيق السياسة التوسعية الإسرائيلية وتحقيق قيام «إسرائيل الكبرى» بالتحالف الوثيق مع إدارة ترامب وخطتها المعروفة.

ومن المعروف أن الردود على الإخفاقات التي تمنى بها الأحزاب الصهيونية اليمينية في معاركها «الإسرائيلية» تتوجه نحو الجانب الفلسطيني في محاولة لتعويضها بانتصارات على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

ولانستغرب أن يدخل ملف التهدئة في غزة في سياق فشل نتنياهو حول الحكومة،وقد شهد هذا الملف مناورات إسرائيلية أبطأت كثيرا في إجراءات تخفيف الحصار على إيقاع تعثر مفاوضات الليكود مع الأحزاب الصهيونية بشأن تشكيل الحكومة ، ومن المرجح أن تشهد الفترة القادمة على طريق الانتخابات الجديدة تصعيدا إسرائيليا واسعا ضد القطاع.

والأمر ذاته حول القدس وعموم الضفة الفلسطينية بمايخص نشر الاستيطان وتوسيع حملات التهويد والتقدم في إجراءات ضم المستوطنات، وسيجد نتنياهو في مايجري بخصوص «مؤتمر البحرين» رافعة لتسويق سياساته، وكسب المزيد من التأييد بين صفوف المجتمع الإسرائيلي الذي يواصل انزياحه نحو اليمين المتطرف بمعدلات غير مسبوقة.

الحلقة المفقودة في مسار الأحداث حتى اليوم هو الدور الفلسطيني الفاعل في مايجري بسبب استمرار الانقسام وغياب البرنامج الوطني الموحد.ومع مرور الوقت واستمرار هذا الوضع تزداد فرص القائمين على «صفقة ترامب» وأتباعهم في تحقيق المزيد من التقدم على طريق تصفية قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه. ومن موقع تكرار مايتوجب استدراكه، نعيد التأكيد على أن الوقت يمضي مسرعا لغير صالح القضية الفلسطينية،وضرورة العودة إلى قرارات الإجماع الوطني وتنفيذها بدءا من قرارات المجلسين الوطني والمركزي في كل مايتعلق بتصويب العلاقة مع الاحتلال ووضعها في نصابها الصحيح الذي يفترض سحب الاعتراف بإسرائيل ومقاطعتها ووقف التنسيق الأمني على قاعدة إستراتيجية الخروج من بقايا أوسلو وقيوده السياسية والأمنية والاقتصادية. ومن هذا المنطلق يفترض إطلاق المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال ومستوطنيه وحمايتها، وتدويل القضية والحقوق الفلسطينية عبر مقارعة الاحتلال في الأمم المتحدة ومؤسساتها ذات الصلة بمحاسبته على جرائمه، وفي المقدمة «الجنائية الدولية».

من دون هذه الإجراءات والخطوات ستواصل «صفقة العصر» إجراءاتها لتصفية القضية الفلسطينية وإغلاق الباب نهائيا على تجسيد حقوق الشعب الفلسطيني في عودة لاجئيه إلى

ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها منذ العام 1948،وحقه في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة.

بقلم/ محمد السهلي