رغم بيانات القمم الخليجية والعربية والإسلامية الثلاث التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن ما يجري على الأرض يتناقض كلياً مع لغة البيانات، حيث اقتحمت مجموعة من المتطرفين اليهود ساحات المسجد الأقصى، وأدت صلاة يهودية استفزازية أمام أحد أبواب المسجد الأقصى، وذلك قبل أن يجف حبر بيانات القمم الثلاث.
مواصلة التوسع الاستيطاني، ومواصلة تدنيس المقدسات الإسلامية رسالة استخفاف إسرائيلية بكل بيانات القمم الخليجية والعربية والإسلامية التي عقدت في مكة، وتدنيس الأقصى رسالة عملية تؤكد أن إسرائيل لا تعمل حساباً لكل لدول العربية والإسلامية، ولو كانت إسرائيل تخشى العواقب لما واصلت احتلال المقدسات الإسلامية كل هذه السنوات، ولو كانت إسرائيل تعمل حساباً لغضب المجتمع الدولي، وغضب الأمتين العربية والإسلامية، لما تمكنت من الأراض العربية المحتلة لأكثر من خمسين سنة، مر عن أسماعها مئات البيانات التي تشجب وتدين وتستنكر الاحتلال.
وإذا كان اقتحام المسجد الأقصى يحاكي واقع المتطرفين اليهود المقتنعين بقدرتهم وحقهم الزائف في هدم المسجد الأقصى، وإقامة جبل الهيكل، فإن القمم الخليجية والعربية والإسلامية لتحاكي الواقع أيضاً، الذي يكشف عن تورط دول الخليج العربي في حرب اليمن، وفي حروب أخرى بالوكالة، والواقع يحكي عن السودان الذي يعاني المخاض العسير، وليبيا التي تحارب الأذرع الإسرائيلية فوق أراضيها، والجزائر التي ترقب مستقبلها بحذر، وسوريا التي تعاني أوجاعها الداخلية، والعراق الذي أمسى فريسة أمريكية، والأردن الذي يشكو الفقر والجوع والعزلة، ومصر التي تغرق في أحزانها، وكذلك حال بعض الدول الإسلامية مثل إيران وتركيا، التان وقعتا في عين العاصفة، وتحيط بهما الأحداث السياسية والعسكرية الرهيبة، فكيف ستكون نتائج مؤتمرات القمم الثلاث، وهذا هو الحال العربي والإسلامي؟
كان بيان القمة الإسلامية أرقى قليلاً من البيانات الختامية للقمم الخليجية والعربية، ومع ذلك فقد جاء البيان الختامي عاجزاً وضعيفاً وباهتاً حين اكتفى برفض الاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، وحين دعا الدول الأعضاء إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الدول التي نقلت سفاراتها أو فتحت مكاتب تجارية لها في القدس المحتلة.
نقطة الضعف والهوان في البيان تكمن في معرفة جميع الدول العربية والإسلامية أن أمريكا هي الدولة التي نقلت سفارتها إلى القدس، وفتحت مكاتب تجارية واستيطانية وحياتية وتعليمية وتزييف لتاريخ القدس، بل واعترفت بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك، فبيان القمة الإسلامية لما يزل يهرب من مواجهة أمريكا، ويفتش عن بطولات زائفة مع دول أخرى، قد تنقل مكاتبها إلى القدس.
الذي يغمض عينيه عن العدوان الأمريكي، ويهرب من مواجهته، ويتحالف مع هذا العدو، هو تاجر بالقضية الفلسطينية، وتاجر بالمقدسات الإسلامية، وعليه فلا قيمة لكل بيانات لا تضع الأصبع على الوجع، ولا ترفع الترس في وجه السيف الأمريكي الذي يحز برقبة العرب، ويسفك دم مستقبلهم لصالح دولة الصهاينة.
د. فايز أبو شمالة