لماذا أسقطت إسرائيل صفقة القرن؟

بقلم: فايز أبو شمالة

لأكثر من عامين، وصفقة القرن فكرة لم تظهر تفاصيلها على العلن، فكرة تم التشاور حولها مع الإسرائيليين، ولم تشاهد على ورق، وتم تأخير موعد عرضها لأكثر من مرة وفق الطلب الإسرائيلي، بل كان تأخير عرض الصفقة جزءاً من السياسة الإسرائيلية العامة؛ التي فرضت رؤيتها على صفقة القرن، كما أكدت ذلك وزيرة القضاء الإسرائيلي، ثم تخلت عنها، بعد أن أتت أكلها، وزعزعت أركان المفاهيم العامة لكيفية حل الصراع العربي الإسرائيلي.

لقد وظفت إسرائيل فكرة صفقة القرن لصالحها، فأخذت منها ما تريد، وفرضته حقائق قائمة، وتركت من خلف ظهرها ما لا تريد من حلول سياسية تباعد بين أطماعها وبين ما تمارسه على أرض الواقع، فالسياسة الإسرائيلية لا تقوم على الشلل، ولا تعتمد الانتظار منهاجاً في تعاملها مع الأحداث، فمنذ قيامها كياناً غاصباً في المنطقة وإسرائيل تعرف ما تريد، وتنهج أقصر الطرق لتحقيق ما تريد، لتفرض في كل مرة حقائق جديدة على الأرض، هذه الحقائق هي الأصل في فكرة صفقة القرن، التي تتعامل مع الواقع كما هو، وتلقي بالماضي كله من وراء ظهورنا، كما قال المبعوث الأمريكي جيسون جرينبلات.

ولما كان الماضي كله من وراء ظهورنا، فإن الذي يمثل أمامنا هو الحاضر بمآسيه السياسية، وهذا الحاضر لا يقدم لنا إلا الانجازات الإسرائيلية التي وظفت فكرة صفقة القرن لتحقيق بعض أطماعها الاستراتيجية، فإسرائيل طلبت نقل السفارة الأمريكية إلي القدس، قبل عرض صفقة القرن، وتحقق لها ذلك، وقبل ذلك طالبت إسرائيل باعتراف أمريكي بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، وتحقق لها ذلك، وطالبت بإسقاط قضية اللاجئين من خلال تقليص الدعم الأمريكي للأونروا، وطالبت بالاعتراف الأمريكي بغور الأردن حدوداً شرقية لها، وتحقق ذلك، وطالبت ببقاء المستوطنات اليهودية، وترسيخها قاعدة سكانية قوية لا يجرؤ أي سياسي أمريكي أو أوروبي على المطالبة باقتلاعها، وتحقق لها ذلك، وطالبت بإغلاق ملف المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفتحت ملف التسوية من خلال الدول العربية، وقد تحقق لها ذلك، بل وأكثر مما تمنت، وطالبت بتحقيق التهدئة مع المقاومة في قطاع غزة، وهي في الطريق إلى تحقيق ذلك،، وأزعم أن هذا أقصى ما تريده إسرائيل في هذه المرحلة، لذلك ألقى نتانياهو بصفقة القرن في سلة الزبالة، حين سئل عنها قبل عدة شهور فقال: لا أرى في هذه المسألة أمراُ ملحاً!!!.

نتانياهو لا يرى بصفقة القرن أمرا ً ملحاً، ولا يرى ضرورة لأي مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ويرفض أي لقاء سعت القيادة الفلسطينية إلى عقده في موسكو، فالواقع القائم على أرض الضفة الغربية لا يزعج نتانياهو، ولا يستحثه للبحث عن حلول، هذا الواقع هو الأنسب لسياسة اليمين الإسرائيلي الذي ضغط على أقطاب صفقة القرن الثلاثة؛ جيسي غرينبلات وجارود كوشنير، وديفيد فريدمان، وطالبهم بتأجيل عرض الصفقة، وإعادة صياغتها بما يرضي نتانياهو الذي ظل يردد  على مسامعهم: عندما نرى العرض، بوسعنا أن نحكم عليه.

وهنا لا بد من طمأنة القادة الفلسطينيين، فأنتم أيها القادة لم تسقطوا صفقة القرن، ولا حيلة لكم بإسقاط جندي إسرائيلي واحد يعترض طريق تنقلكم على الحواجز، ولا حيلة لكم بوقف تحرك امرأة يهودية واحدة تتوسع في بناء مستوطنة عشوائية، اطمئنوا يا قادة، الذي أسقط صفقة القرن هو اليمين الإسرائيلي الذي لا يريد حلولاً للقضية الفلسطينية لا تتوافق مع أطماع عتاة التطرف، واطمئنوا أيها القادة الفلسطينيون، ولا داعي للتصريحات النارية ضد صفقة القرن، فصفقة القرن أحرقها اليمين الإسرائيلي الذي لا يرى بأرض الضفة الغربية إلا البيئة الطبيعية لتأسيس الهيكل المزعوم مرة ثانية، لذلك تدخل اللوبي اليهودي لدى الإدارة الأمريكية، وطالبها بالتلكؤ في طرح صفقة القرن، قبل أن يحصرها في لقاء اقتصادي في دولة البحرين بلا أي غطاء سياسي يتعارض مع الأطماع الإسرائيلية.

 

د. فايز أبو شمالة