مع انتهاء شهر رمضان، شاهدنا خلاله العديد من الجهود الإغاثية التي تسعى إلى التخفيف عن كاهل الأسر الفقيرة والمتعففة بقطاع غزة كما في أي مكان آخر، في محاولة ولو طفيفة لرسم بسمة على وجوه المعوزين، وصون كراماتهم التي بعثرتها الحاجة الناشئة عن عدة عوامل، في مقدمتها الاحتلال واستمرار الحصار الغاشم على القطاع للعام 13 على التوالي، وما خلفه ذلك من أسى عميق على كل الأصعدة ويزداد مع الأيام، إضافة لعدم احترام طرفي الانقسام سواء بالقطاع أو بالضفة لأبسط حقوق وكرامة وآدمية المواطنين، من خلال زج أدنى مقومات حياتهم في آتون الانقسام البغيض، كل ما تقدم خلف حصيلة كارثية ومبكية لمن عنده ذرة وطنية أو مسئولية أو حتى إنسانية!.
شهر رمضان هذا العام له خصوصيته، إذ ترتفع معدلات انعدام الأمن الغذائي لحوالي 70% بحسب تقديرات جهات دولية ومحلية، ما يعني أن ثلثي الأسر غير قادرة على تأمين غذائها، وسط تنامي البطالة والفقر وانعدام القدرة الشرائية.
مشاريع إغاثية
نشطت جمعيات خيرية محلية ودولية في قطاع غزة، لجهة تنفيذ عدة مشاريع إغاثية، علها بشكل أو بآخر تخفف من معاناة الناس، وتعينهم على سد رمق أطفالهم، سواء من خلال توزيع اللحوم أو سلال وطرود غذائية وتسليم قسائم شرائية، أو تنظيم إفطارات جماعية وتقديم مبالغ نقدية رمزية، بهدف مساعدة طوابير الفقراء، الذين تم إفقارهم عمداً كما يوسوس لي شيطاني، وهنا لا أعرف لما هذا الفقر والإفقار كله؟!، لماذا بعد 71 عاماً على النكبة وخيمة اللجوء والطعمة، تعود قضيتنا إلى بدايتها إنسانية؟، أما الاحتلال والحصار وكأنه على الغلابا ومن يلف لفيفهم.
طوابير
راعني مشهد الطوابير هذا العام، كما وأصابتني بالغصة مشاهد تصوير الفقراء، أطفالاً وكهولاً ونساء، والتفاخر بنشرها دون أدنى مسئولية، في استغلال قبيح للحاجة، تصوير عند طابور استلام اللحمة، عند طابور استلام الكابونة، عند طابور استلام صحن العدس من التكية، عند طابور استلام صينية الرز، عند طابور استلام سلة الخضار، عند طابور استلام كابون كسوة العيد من الملابس المستعملة، وعند طابور استلام ظرف المساعدة النقدية الرمزية، مشاهد تسجل علينا لا لنا، مشاهد تعيد تصويرنا متسولين، لا مناضلين من أجل وطن وحرية وكرامة وكلام فاضي وشعارات كبيرة، سقطت عند أعتاب الطابور.
تقدير
مضى من الشهر الفضيل ما مضى، وترك في أذهانناً صوراَ كثيرة، من ضمنها صوراً تستحق التقدير، صوراً لمن عمل بلا صور.
فبعيداً عن حالة الاستقطاب، إن اللجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي(تكافل)، والمركز الفلسطيني للتواصل الإنساني(فتا)، وعلى الرغم من استحواذهما إلى حد كبير على مشاهد الخير في رمضان لإغاثة الفقراء، إلى جانب آخرين، إلا أنهما عملتا بصمت، وأوعزتا بعدم التقاط ونشر صور المستفيدين من خدماتها، كما واجتهدتا في سبيل الحد من اصطفاف الفقراء في طوابير تحت لهيب الشمس، من خلال فكرة التوزيع على أكثر من يوم، وفي أكثر من مكان، بما يحفظ كرامة الناس بعيداً عن التّسلق فوق مشاعر الفقراء.
في الختام أجدد إيماني القاطع بعدم جواز شكر من يقوم بواجبه، إلا أن تكرار تلك المشاهد، قد دفعتني لتقدير المشهد المختلف، خوفاً من انجراره نحو مزيداً من الطوابير.
رامي معين محسن
محامي وباحث
3 يونيو 2019