يتذكر الفلسطينيون تحديدا والامة العربية عموما يوم الخامس من حزيران عندما استطاعت قوات الدولة الصهيونية ان تهزم الجيوش العربية التى لم تحارب اصلا بل وحتى تدمرها نهائيا تقريبا وتحتل ما تبقى من فلسطين التاريخية ومنها مدينة القدس وسيطرت على الأماكن المقدسة المسجد الاقصى وكنيستي المهد والقيامة والحرم الإبراهيمي اضافة لاحتلال اجزاء من مصر والأردن ولبنان وسوريا وتحول ذاك اليوم الي يوم للنكسة العربية واعادة تكرار للنكبة الفلسطينية من جديد بعد عشرون عاما على النكبة الاولى عام ١٩٤٨
انهزم العرب عسكريا وسياسيا ومعنويا وأصبحت الدولة الصهيونية وحش مفترس وفتاك يهدد بالتهام كل من يعاديه واكتفى العرب بالرد عبر قمة الخرطوم التى طالبت بازالة اثار العدوان مما يعني ضمنا القبول بما كان ما قبل هذا العدوان رغم لاءات الخرطوم الشهيرة لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف
منذ ذلك اليوم الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ لم تتعدى مطالبات العرب ومعهم الفلسطينيين العودة الى حدود الرابع من حزيران وأصبحت قرارات الامم المتحدة والمجتمع الدولى أيضا تحمل نفس المطالبات منذ صدور القرار ٢٤٢ فى تجاهل لما سبق من قرارات وخاصة القرار ١٨١ المعروف بقرار التقسيم والذي يحدد حدودا غير الخط الاخضر كحدود بين الدولتين في فلسطين التاريخية
رغم كل ما سبق رفضت اسرائيل تنفيذ قرارات الامم المتحدة بل عملت على اعادة موضعة الحدود من جديد فلم يعد الخط الاخضر خطا فاصلا بعد ضم القدس وبناء المستوطنات واقامة جدار الفصل العنصري وتغيير حدود غزة وبالتالي لم يعد الحديث عن العودة الى حدود الرابع من حزيران الا ترفا كلاميا ليس اكثر
ان الرابط الاهم بين الخط الاخضر والصراع هو حل الدولتين على جانبي الخط الاخضر يحصل من خلاله الفلسطينيون على حق تقرير المصير واقامة دولتهم وبالتالي ما قبله الفلسطينيون من ارض وحدود ناقصة من اجل الدولة قد يؤدي الى قبولهم من جديد بحدود اقل من اجل الدولة والتعامل مع الخط الاخضر كمعيار للحجم وليس كخط حدودي سواء عبر تبادل اراضي مع اسرائيل او ضمن عملية إقليمية لتبادل الاراضي واعادة ترسيم الحدود مما يعني الخضوع للامر الواقع الذى فرضه الاحتلال بالقوة وايضاً تنفيذا لصفقة القرن لحل لا يستند على قرارات الشرعية الدولية بل يعتمد على الإقرار بالأمر الواقع وشرعنته
ان عملية السلام التى راهن عليها الفلسطينيون وقيادتهم تآكلت محدداتها ومنطلقاتها وأهمها مبدأ الارض مقابل السلام وتنفيذ قرارات الامم المتحدة وحلت محلها محددات جديدة أهمها المحدد العسكري وهيمنة القوة يليها محددات اقتصادية وتحالفية وسياسية وحتى تحالفات شخصية وهذا يعني ان كل العملية بحاجة الى مراجعة واعادة تقييم حتى لا نجد أنفسنا نتراجع حتى وان كان ببطء عن مطالبنا وثوابتنا التى اصبحت مرنة وقابلة للتغيير خاصة مع حالة الانقسام الفلسطيني والانهزام والتراجع العربي وهيمنة اليمين على الحكم فى اكبر دول العالم خاصة الولايات المتحدة الامريكية وايضاً في اسرائيل
تعود ذكرى الخامس من حزيران لتنبهنا الى ما جرى وأننا على مدار عقود من النضال والكفاح الوطني ورغم ضخامة التضحيات وجسامتها الا ان سقف المطالبات ينخفض وان الخط الاخضر لم يعد مقدسا وان ما يليه من خطوط ايضا لم تعد مقدسة وأننا مقدمون على تحدى الاجابة عن تساؤلات كبيرة واختبارات للصمود والبقاء مما يتطلب منا ان نراجع الذات الفردية والجمعية وان نفتح افاقا جديدة لتقييم المسيرة والمسار برؤية نقدية بعيدا عن الجمود وعن الجدل العقيم وايضاً بعيدا عن تمجيد التاريخ لنستطيع ان نكون اصحاب قدرات اعلى في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل
نحتاج الى اعمال العقل وتفعيل النقد البناء والشجاع بعيدا عن الاتهامات وعن القوالب الجامدة وأول من يجب ان يوجه له النقد هي الاحزاب والفصائل السياسية والعسكرية دون وجل او خوف وايضا دون انتقاص من تضحياتها او استهانة بالتاريخ المجيد لها لان اداة التغيير الاهم كانت وستبقى هي الحزب السياسي سواء التغيير من اجل التحرير او من اجل بناء مجتمع ديموقراطي عادل وسليم
كتب / دكتور وجيه ابو ظريفة *
• عضو المجلس الوطني الفلسطيني