من عرب سات والأذان، حتى قمة مكة.. والانتفاضة!!

بقلم: عماد شقور

أطلقت المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية يوم 8 شباط/فبراير 1985، قمر الاتصالات عرب سات، والذي حمله إلى الفضاء صاروخ “إريان 3″، من صنع شركة ايروسباتيال الفرنسية.

اذكر ان جريدة “لوفيغارو” الفرنسية، خصصت افتتاحيتها في اليوم التالي لاطلاق عرب سات 1، وقالت، ساخرة فيها من العرب، إنه أصبح للعرب الآن أعلى “مئذنة”، وان قمر الاتصالات هذا لن يساهم في زيادة التفاهم والتوافقات بين الدول العربية، ولن يكون اكثر من “مئذنة” يرفع منها الأذان، باعتباره الشيء الوحيد الذي يتفق العرب حوله.

مرّت على تلك الافتتاحية الساخرة 34 سنة، لنكتشف، اليوم، ان لا توافق بين العرب حتى على الأذان ذاته: السعودية ومعها دول الخليج وبعض الدول العربية رفعت أذان عيد الفطر للعام الهجري 1440 فجر الثلاثاء، في حين رُفع أذان العيد في مصر وفلسطين والاردن وسوريا، فجر، الاربعاء.

يعرف كل متابع للاحداث والمواقف والعلاقات بين الاطراف العربية، أن هذا الحدث يحمل رسالة خفية وناعمة، هو شبه همسة اعتراض وامتعاض من السياسة السعودية، لا يمكن التاكد مسبقا إلى أي حد ستصل، إذ يتوقف الامر على ما يستجد من تطورات وخطوات تقدم عليها هذه الدولة أو تلك. دون ان ننسى ان التوافق والتماشي والقبول من الدول والشعوب العربية، بما تقرره دار الإفتاء في السعودية، لا يشكل، بالضرورة، علامة رضىً، في حين ان رفض التوافق مع دار الافتاء تلك، يشير بشكل واضح إلى اعتراض وعدم رضى.

لسوريا، المحرومة، ظلماً، منذ سنين، من المشاركة في القمم العربية والاسلامية التي تدعو لعقدها جامعة الدول العربية، أو أي من دولها، اسبابها الخاصة والمفهومة من الاعتراض على كل ما يصدر من السعودية، حتى ولو على صعيد الافتاء بثبوت رؤية هلال شوال.

اما اعتراض الاردن، ورسالته المبطنة إلى السعودية، باعتماده الأربعاء أول ايام عيد الفطر، فيمكن تفسيرها بردها إلى أسباب عديدة، قد يكون من بين أهمها، معاناة الأردن من الحصار ومن “احتباس مالي” سعودي وخليجي شبه معلن، ومن تلميحات باعتراضات على الدور الهاشمي في كل ما له علاقة بالأقصى والأوقاف الاسلامية في القدس، ومن ضغوطات وتهديدات شبه مبطنة، لإجباره على القبول بـ”صفقة القرن” التي تعدها الادارة الأمريكية، رغم أنها تعني بوضوح تحميل الأردن تبعات وثمن تصفية القضية الفلسطينية، على حساب النظام الأردني والأرض الأردنية ومصالح وحاضر ومستقبل الشعب الأردني.

نصل إلى مصر النظام، ومصر الشعب، ومصر الازهر. لكل واحد من هذه التجليات لمصر، أكثر من سبب لمحاولة إرسال إشارات امتعاض من تصرفات وسياسات سعودية:

ـ قد تكون تخوفات السعودية من السياسة الإيرانية مبررة، وهذا ما يسمح لها، بل ويلزمها، حماية لمصالحها، ان تتخذ كافة التدابير لضمان حماية هذه المصالح. نقول، فيما يخص احتمال وجود خطر إيراني، “قد”. لكن الأكيد، وليس “قد”، أن الحليف والحامي من الخطر الإيراني الموهوم أصلا، ليس أمريكا. وكذلك فإن الأكيد الأكيد الأكيد، أن الحليف والحامي من الخطر الإيراني الموهوم، ليس إسرائيل. إسرائيل هي الخطر الحقيقي الملموس، ماضيا وحاضرا ومستقبلا. مصر النظام تعرف هذا، وعقلاء في السعودية والخليج يعرفون هذا.

عندما تعرضت الكويت لخطر اجتياح عراقي لها، أيام حكم عبد الكريم قاسم، كان جمال عبد الناصر من أرسل فرقا من جيش مصر لردع قاسم. ويوم اهتز الميزان لصالح إيران قبل سنتين من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وأصبح هناك تهديد إيراني لبعض إمارات الخليج، كان حسني مبارك هو من وضع جيش مصر على أهبة الاستعداد لمواجهة أي خطر على السعودية ودول الخليج.

شعب مصر يدرك هذه الحقائق.. ويتحسّر.

اما دور الازهر كمرجعية علمية ودينية وفقهية للسنة، فأمر لا جدال فيه، وكل محاولة تطاول عليه، حتى ولو من مكة أو المدينة أو العاصمة الرياض، لا تمر دون مواجهة حادة وعنيدة ومُحِقّة. وحتى حينما حاولت احدى الجهات “الرسمية” المصرية، مساء أمس الاول، ان تخفف من وقع بيان الأزهر بخصوص تأكيد الاربعاء أول أيام عيد الفطر، (في مواجهة خفية ومفهومة لفتوى الرياض)، وأعلنت تلك الجهة “الرسمية” أنه ستتم إعادة النظر في رؤية هلال شوال من عدمها، سارع الأزهر منددا بذلك الإعلان ومؤكدا أن لا مجال لتغيير موقفه.

ثم، وأخيرا، ماذا عن فلسطين والسياسة السعودية؟

تتعرض فلسطين لهجمة أمريكية سافرة غير مسبوقة. إن كان لها من ميزة عن كل ما سبقها من هجمات، فهي غباؤها وفجاجتها وسطحية طروحاتها.

“نصيبنا” هذه الأيام مع جاريد كوشنر اليهودي الصهيوني الامريكي، الذي لا يوازيه غباء وفجاجة سوى اليهوديان الصهيونيان الأمريكيان اللذان يساعدانه: جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان.

لم يكن دينيس روس اليهودي الصهيوني الأمريكي بدهاء وذكاء هنري كيسنجر اليهودي الصهيوني الأمريكي، ولكنه لم يكن غبيا. وكلاهما خدما إدارات جمهورية وإدارات ديمقراطية أمريكية على حد سواء، في مواقع ترسيم السياسة الأمريكية تجاه فلسطين والعرب.

مشكلتنا مع هؤلاء الجدد: كوشنر وغرينبلات وفريدمان، ليست معقدة ولا هي صعبة ايضا. فلقد تآمر قبلهم على فلسطين من هم أكثر ذكاء ودهاء منهم بكثير، وكان في مواجهتهم من الفلسطينيين من هم أقل ذكاء ودهاء من القيادات الفلسطينية الحالية. وباءت كل تلك المؤامرات بالفشل، ذلك اذا اعتبرنا ان هدف تلك المؤامرات والأحابيل، هو انهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أساسا، وإنهاء الصراع العربي الصهيوني، عموما، بإنهاء الوجود الوطني الفلسطيني، والغاء الرفض العربي للصهيونية.

مشكلتنا الحقيقية هذه الأيام هي أن الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، متحالف ومتعاون مع هذه الثلة اليهودية الصهيونية الامريكية العنصرية والغبية.

لا مصلحة لفلسطين في مناصبة السعودية، (او أي دولة عربية اخرى)، العداء. عندنا من الاعداء ما يكفي ويزيد.

لكن لا مصلحة لنا لا بقبول هذه الاملاءات الأمريكية، ولا بالانتحار ارضاء لهذا النظام العربي أو ذاك.

لقد دفعنا دما ودموعا وسنوات معاناة، في مواجهة محاولات نظام الرئيس حافظ الاسد التحكم بالقرار الفلسطيني. وذلك حتى عندما كانت سوريا هي الرئة الاساسية للتنفس الفلسطيني. ولا مبرر ولا منطق بأن نقبل في هذه الايام ان يكون مصدر القرار الفلسطيني أي عاصمة شقيقة أو صديقة أو حليفة، ومهما كان السبب أو المبرر أو.. الثمن.

ذكرتني حادثة تقصد البروتوكول السعودي، (وبالتأكيد بأوامر غير لائقة من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان)، وضع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (ابو مازن)، في الصف الثاني، في الصورة الرسمية للقمة العربية في مكة قبل ايام، بحدث سابق مثيل قبل 32 سنة.

عُقِدت القمة العربية التاسعة عشرة في عمّان يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1987. في تلك القمة، كان استقبال الاخ ياسر عرفات (ابو عمار)، من قبل السلطات الاردنية (في حينه) غير لائق بالمرة، حتى لا اقول اكثر من ذلك. امتعض ابو عمار كثيرا جدا جدا. وحرص كثيرا أن يبدو ذلك الضيق والامتعاض على ملامح وجهه لحظة الاستقبال غير اللائق، وطوال ساعات وأيام القمة وحتى مغادرة الأردن بعد انتهاء القمة.

بعد أيام من ذلك، قلت لأبو عمار: ألا يكفي؟؟؟ افرد وجهك!!.

قال لي: أنا أبعث من خلال هذا الحزن والألم رسالة إلى الأهل في فلسطين: في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة اساساً.

ابتدأ هذا المسلسل يوم 8.11.1987، وبعد شهر واحد فقط بالضبط، ويوم 8.12.1987، أقدم سائق سيارة اسرائيلي على دهس عدد من العمال الفلسطينيين في مخيم جباليا في قطاع غزة، واندلعت اشارة انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى المباركة.

هل كان لما تعرض له أبو عمار دور في تفجّر الانتفاضة؟.

اعتقد ذلك.

عماد شقور