الشعب الفلسطيني يمجد ذكرى حزيران الحزين، شهر الشهداء القادة الأبطال الذين ألهموا أجيالاً متعاقبة من مناضلي فلسطين على مواصلة السير على خطاهم والوفاء لرسالتهم، وتحولوا رموزاً مضيئة في التاريخ الفلسطيني.
إنهم الشهداء القادة الثلاثة عمر القاسم وخالد نزال وبهيج المجذوب، الذين كان عطاءهم لوطنهم بلا حدود وظلوا رموزاً يعتز بها كل شعبنا الفلسطيني وليس مناضلي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحدهم.
في الرابع من حزيران (يونيو) من كل عام، تحيي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين «يوم شهيد الجبهة الديمقراطية» وهي تستذكر الآلاف من شهداءها وفي القلب منهم قادة وكوادر ومناضلين، وشهداء شعبنا الذين استشهدوا في كافة مراحل الثورة الفلسطينية ومسيرة النضال الوطني الطويل في كافة المواقع داخل الوطن وخارجه وفي السجون وعلى الحدود وشهداء مقابر الأرقام، تزامناً مع استشهاد قادتها الأبطال وفي مقدمتهم شهيد القدس، قاهر السجن والسجّان، الشهيد الأسير عمر القاسم «مانديلا فلسطين».
الشهداء القاسم والنزال والمجذوب وسواهم من شهداء حزيران الذين استشهدوا وهم في أوج عطائهم النضالي وتضحياتهم الجسام على تراب فلسطين ولأجل وطنهم، رفضاً لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي والقبول بهزيمة الخامس من حزيران (يونيو) 1967 وتأكيداً على تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه الوطنية وفي وقدمتها حقه في تقرير المصير والاستقلال والعودة.
شهر حزيران يأتي هذا العام في ظروف هي الأصعب في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، ظروف منهكة بعد 52 عاماً من هزيمة حزيران الأليمة، ظروف قهرها الانقسام الأسود الذي يكمل عامه الثاني عشر على التوالي دون أفق للخلاص منه، وتحت سيف أزماته اللعينة في قطاع غزة، إلى جانب التطورات الملتهبة في الشرق الأوسط والانشغال الدولي بالصراع الدامي الذي تشهده عدد من الدول في المنطقة، فيما تستغل إسرائيل الانحياز الأميركي الأعمى لجانبها لتبدد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بعرض الرئيس الأميركي ترامب بضاعته الفاسدة المسماة «صفقة ترامب» وتنفيذها بشكل متدحرج على الأرض خطوة خطوة ومحاولة تسويقها وتمويلها عبر «ورشة المنامة» في 25 و26 حزيران الجاري.
إن الانقسام المدمر يتواصل ويتعمق، وهناك من يرى في هذا الانقسام المدمر وسيلة لتعزيز نفوذه ومكاسبه على حساب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني مستفيداً من صراع المحاور، غير آبه لحالة التدهور التي تعيشها المؤسسات الرسمية والمخاطر التي تتهدد القضية الوطنية الفلسطينية، بل ويواصل صناعة الحجج والذرائع التي تعطل التجديد الديمقراطي.
ما أحوجنا إلى الوحدة الوطنية، ما أحوجنا إلى تجميع عناصر القوة الكاملة للشعب الفلسطيني وتجديد مؤسساته الوطنية، في ظل الأزمات السياسية والحياتية التي تعصف بالحالة الفلسطينية، ما أحوجنا إلى الإسراع في الوصول إلى نهاية النفق المظلم لإدراكنا أن حالة الإحباط والانكسار غير واردتين في قاموس الشباب والشعب الفلسطيني، الذي يعيش انتصار إرادة الحياة، انتصار طاقات المقاومة والتضحية رغم قمع الاحتلال وسلطات السجون وجرائمهما وحالة الترهل والتيه السياسي الفلسطيني، لانجاز مهمات الثورة والمقاومة والشراكة الوطنية، مرحلة التحرر الوطني والاستقلال.
ما أحوجنا إلى الوحدة الوطنية التي جسدها الشهيد عمر القاسم في بناء اللبنة الأولى للحركة الوطنية الأسيرة، ونشر الأفكار والثقافة الوحدوية والنضالية في داخل المعتقلات الإسرائيلية، كما جسدتها إضرابات الأسرى المتوالية وحققت انتصاراً بطولياً في زمن لم تجن المفاوضات العقيمة ومعارك الانقسام والصراع على السلطة والنفوذ سوى الهزائم والكوارث لشعبنا.
ثلاثون عاماً مرت على رحيلك يا سيد الشهداء، يا قاسم الفقراء والكادحين، يا قاسم الشعب، فمن لم يتعلم في مدرستك النضالية سيبقى يجهل ألاعيب الاحتلال وخداعه. فالأسرى في سجون الاحتلال يتذكرون كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم عايشوه مع رفيق دربهم الأسير عمر القاسم، وهم يتجرعون مرارة السجن ويتحدون أساليب السجان القمعية في خوضهم الإضراب المفتوح عن الطعام رفضاً لمصادرة مطالبهم العادلة، ورفضاً لتركيب أجهزة الكترونية مسرطنة، وضد سياسة الاعتقال الإداري التي تنتهجها إدارة السجون ومن خلفها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بفرضها قوانين عنصرية تتعارض مع كل القيم والمواثيق الدولية.
ذكرى استشهاد الأسير عمر القاسم ابن حارة السعدية بمدينة القدس المحتلة، هي أليمة في الوقت الذي تمارس إسرائيل أبشع صور الإرهاب الوحشي والتشريد والتهويد والأبارتهايد بحق السكان المقدسيين للسيطرة على مدينة القدس وتهويدها وطرد سكانها الفلسطينيين وقطع إمكانية التواصل بين المدن في الضفة الفلسطينية، وخصوصا بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده للقدس، وكذلك في ظل الهجمات المتتالية التي تتعرض لها الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال.
«الذين يتآمرون علينا مؤامراتهم لن تزيدنا إلا ثباتاً وصموداً وتشبثاً بمواقفنا، والتي لا تباع ولا تشترى بالمال».. «نحن الثابتون في هذه الأرض، المتجذرون في الماضي السحيق لوطننا، وفي أمسه القريب، وفي غده المشرق، وهم العابرون، مهما حاولوا أن يبتدعوا الأكاذيب والأساطير، أكثر من فاصلة في تاريخ هذه الأرض».
بقلم/ وسام زغبر