فريدمان يُضر بإسرائيل بتصريحاته أيضاً

بقلم: محمد المصري

نعتقد بقوة أن تصريحات السفير الأمريكي ديفيد فريدمان العدائية بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه ومستقبله، إنما تُضر بإسرائيل أكثر مما تُضر بالشعب الفلسطيني نفسه.

في حالة المقارنة بين حجم الضرر الذي يسببه هذا الرجل للفلسطينيين والإسرائيليين فإنه يمكن إجراء هذه المقارنة على النحو التالي:

بالنسبة للفلسطينيين، فإن فريدمان يقول للفلسطينيين من خلال تصريحاته الفظة والوقحة أن عليهم أن لا يصدقوا أبداً أن إدارة ترامب هي وسيط نزيه، بل هي منحازة بالكامل للسياسة الإسرائيلية الحالية، وأن هذه الإدارة لا تخضع ولا تطبق ولا تريد أن تتعاطى مع القانون الدولي والسياسات الدولية المتبعة، وأن على الفلسطينيين أن لا يصدقوا أو يتعاملوا مع صفقة القرن أو أي من آثارها، وأن لا يذهبوا إلى ورشة البحرين، وأن لا يصدقوا أبداً فكرة التعايش أو التسوية أو يحلموا حتى بدولة أو إنهاء للاحتلال، عملياً فإن فريدمان يقطع الطريق على أي سياسي إسرائيلي أو أمريكي أو حتى أوروبي يريد أن يجمل الصورة أو يخدع الطرف الفلسطيني أو العربي، فريدمان مدفوعاً بحماسته الدينية الشديدة يختصر الطريق على الفلسطينيين والعرب بالقول: لا تتوهموا!! لا تنخدعوا بأية عملية تسوية!! ما هو معروض عليكم مجرد استسلام للرؤية الإسرائيلية، وما هو مطلوب منكم أن توقعوا على شهادة براءة الاحتلال من دمكم، وأن توقعوا على شهادة اعتراف بأن الاحتلال أبدي.

هذا ما يمكن أن يكون أحد أهداف فريدمان من تصريحاته العدائية والفظة تجاه الشعب الفلسطيني والعربي، وهي تصريحات توصف بالعنصرية والاستعلائية وبعدها الكبير عن الإرث الدبلوماسي والقانوني، ولكن هذا ما يميز لغة وتصرف إدارة ترامب الحالية وطواقمها الدبلوماسية العاملة فيها.

ولكن، ومن جهة أخرى، فإننا نعتقد، كما ذكرنا، أن فريدمان يسيء للإسرائيليين أكثر بكثير منا، وذلك لأن فريدمان بهذه التصريحات يقطع على إسرائيل هوامش المناورة وإمكانيات الخداع السياسي، كما أنه يتحدث باسم قسم من الإسرائيليين وليس كلهم، وبالتالي فهوأي فريدمانيتدخل في تشكيل النخب الإسرائيلية المسيطرة والمهيمنة، كما أنه ينسف كل الإرث الطويل من فكرة "التسوية السلمية" التي سعت إليها إسرائيل طويلاً، فبعد أن أجبر الفلسطينيون أو "أقتنع" بالتسوية السلمية يأتي هذا الرجل متحدثاً باسم إسرائيل ليقول أن الفلسطيني كان على خطأ وأن عليه أن يعود إلى أساليبه القديمة، وهو بهذا يشعل حرائق في وجه إسرائيل، ليس على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنما على مستوى الإقليم العربي وربما العالم الإسلامي، إلى ذلك، فإن فريدمان بتصريحاته الدينية المتطرفة إنما يشعل حرباً دينية حقيقية، لا تستطيع إسرائيل ولا أمريكا مواجهتها.

فريدمان الذي يعطي إسرائيل الحق في الاحتلال وينفي عنا القدرة على إقامة دولة، وبالتالي يخرجنا من التاريخ، إنما يُصعّب الأمر جداً على إسرائيل، ويُعقّد الدبلوماسية الأمريكية، ويصب الزيت على النار المشتعلة أصلاً، وبهذا، أو لهذا السبب، فإن مسئولاً في إدارة ترامب سارع إلى التنكر ورفض تصريحات هذا المستوطن، كما أن بعضاً من الجهات الإسرائيلية "العاقلة" سارعت إلى الطلب من إدارة ترامب بإقالة فريدمان من منصبه، لأنه لا يعبر عن مصالح ومبادئ أمريكا بقدر ما يعبر عن أوهام توراتية تلح عليه في صحوه وغفوته.

 

اللواء د. محمد المصري