الوطنية على نهج ابراهيم يسرى

بقلم: محمد سيف الدولة

اكتب هذه السطور فى نعى ورثاء السفير ابراهيم يسرى الاستاذ الكبير والمحامى القدير والمناضل الصلب والصديق الحميم.

 

***

·       حين كان يعمل سفيرا فى وزارة الخارجية، قدم لمصر خدمات جليلة منها دوره الرئيسى فى "اللجنة القومية العليا لطابا" التى كانت وراء عودة طابا بالتحكيم الدولى.

·       ورغم شغله لمنصب رسمى فى الدولة الا ان بوصلته الوطنية لم تنحرف حين انحرفت بوصلة الدولة المصرية مع اتفاقيات كامب ديفيد وبعدها.

·       وحين تقاعد، كان من القلة القليلة التى تعد على اصابع اليد الواحدة التى عارضت السياسة الرسمية للدولة والتحقت بصفوف المعارضة وتحملت كل ما ترتب على ذلك من عواقب ومخاطر وتهميش.

·       وهو واحد من المحامين القلائل الذين دأبوا على الاشتباك مع السلطة، ايام مبارك وبعده، فى مجلس الدولة والمحكمة الدستورية فى قضايا تمس الامن القومى المصرى والمصالح العليا للبلاد مثل تصدير الغاز لاسرائيل، ورفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص لانها تجور على الحقوق المصرية، وبطلان التوقيع على الاتفاقية الثلاثية بين مصر والسودان واثيوبيا بخصوص سد النهضة لإضرارها بحصة مصر من مياه النيل. وانعدام حكم المحكمة الدستورية الذى قضى بالغاء الاحكام السابقة الصادرة بخصوص الطعن على قرار الحكومة بنقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية وغيرها. 

·       وفى معارك بعينها كان هو قائدها و راس الحربة فيها، حين عبر عن الضمير المصرى وبادر نيابة عن كل المصريين برفع دعوى امام مجلس الدولة ضد تصدير الغاز المصرى لاسرائيل، وقام بتأسيس حملة شعبية واسعة فى هذا الصدد.

·       ولقد ترك لنا السفير ابراهيم يسرى عديد من الكتب والدراسات الهامة مثل ((النيل ومصر وسد النهضة ـ وحروب القرن الافريقى)) و ((حتمية تجديد الدبلوماسية العربية)) و ((تطور القضاء الجنائى الدولى فى ملاحقة الجرائم ضد الانسانية)) وغيرها التى تعكس ثقافته الموسوعية فى مجال العلاقات الخارجية والدبلوماسية وفى مجال القانون الدولى والاتفاقيات الدولية.

·       وحين شارك بعد تقاعده فى معترك العمل الوطنى والسياسى اختار ان يخوضه مستقلا عن اى حزب او تيار، ومع ذلك فانه كان محل احترام وتقدير من الجميع باختلاف مرجعياتهم الفكرية والسياسية والحزبية.

·       وفى سنوات المخاض قبل ثورة يناير كان فى مقدمة الصفوف، وبعد الثورة كان فى القلب منها منذ لحظاتها الاولى حتى يوم رحيله.

·       وحين ضربت جرثومة التفكك والانقسام والصراع القوى السياسية فانشقت الى مدنيين واسلاميين، رفض اى يكون جزءً من الانقسام ورفض اجتثاث اى تيار، وكان رفيقا وصديقا للجميع، وظل يحاول لم الشمل حتى آخر نفس فى حياته.

·       ولقد ترجم ذلك فى عديد من المواقف والمبادرات والانشطة آخرها كانت محاولاته لتشكيل عديد من منتديات ومجموعات الحوار الفكرى والسياسى بين كافة الفرقاء على موقع "واتساب" الشهير، فأسس مجموعات "شخصيات وطنية" و "تيران وصنافير مصريتان" و "سد النهضة" و " مشروع القرن ام ثورة عربية" و " غازنا المنهوب من اسرائيل" وغيرها، والتى ضمت فى عضويتها عديد من الشخصيات المصرية المعارضة من كافة التيارات والاتجاهات التى رحبت بدعوته لها فشاركت وتفاعلت وتحاورت معا بعيدا عن أجواء الانقسام والكراهية التى ضربت الحياة السياسية.

·       ولقد كان رجلا شديد الصلابة، لم يستسلم لحالته الصحية التى كانت تسبب له صعوبات جمة فى الحركة وفى الحديث، فكان يحرص دائما على المشاركة مهما بلغت درجة الارهاق والمعاناة.

·       وكان عليه رحمة الله، متطهرا تماما من اى من تلك الامراض الذاتية المنتشرة فى الحياة السياسية، ورغم رصيده وتاريخه الغنى بالعطاء والفاعلية والتقدير، الا انه كان يتميز بأدب جم وبتواضع حقيقى غير مصطنع، ولم يسعَ ابدا وراء اى منصب او موقع او مكانة خاصة فى كل الحركات والفاعليات والتجمعات التى شارك فيها.

·       ان التكريم الحقيقى لشخص وتاريخ وعطاء ابراهيم يسرى هو من خلال اعلاء كل القيم التى تبناها وتمسك بها وناضل من اجلها: الوطنية والاستقلال والشجاعة والاقدام والعمق الفكرى والقانونى والمهنية العالية والعطاء والانتاج المستمر والتواضع لله والتواصل مع الجميع.

·       رحم الله الفقيد الغالى.

*****

محمد سيف الدولة

[email protected]

القاهرة فى 11 يونيو 2019