إشاعات في مخيمات الجنوب

بقلم: معتصم حمادة

عادت موجة الإشاعات عن النقل والتهجير في ظل تصاعد الحالة السياسية وتناسل المشاريع والمخططات

■ زيارة خاطفة إلى مخيمات مدينة صور في الجنوب اللبناني (البص+ برج الشمالي والرشيدية) كشفت لنا أن موجات الشائعات المغرضة بدأت تجتاح المنطقة، وصار السؤال الرئيس على لسان اللاجئين في سهراتهم وحواراتهم يتمحور حول المصير« هل نحن مقبلون على تهجير قريب»؟ ليست هي المرة الأولى التي تجتاح فيها مخيمات الجنوب اللبناني تلك الإشاعات، نظراً لتضافر وتفاعل عناصر كثيرة تلعب دوراً في إغناء هذه الإشاعات، ومنحها، في بعض الأحيان صدقية، بحيث تتحول إلى معلومات حقيقية ووقائع ميدانية.

الإشاعات تدور حول تهجير المخيمات الثلاثة، وهي منتشرة في محيط المدينة وتخضع لرقابة أمنية مشددة من الدولة، تشرف على الداخلين والخارجين، وتحدد لهم بقرارات إدارية ما يحق لهم إدخاله إلى المخيم وما لا يحق، ما جعل المخيمات معسكرات مطوقة من كل الجهات ومعازل سكانية.

* * *

من بين هذه الإشاعات، أن الفعاليات التجارية والإقتصادية في المنطقة عادت لتنظر إلى مناطق إقامة المخيمات، على أنها إستراتيجية في موقعها الجغرافي، وفي إمكانية إستثمارها في مشاريع من شأنها أن تدر على المنطقة (أي أصحاب المال) أرباحاً هائلة، وأن توفر المزيد من فرص العمل وأن تحد من نزوح أهل الجنوب إلى بيروت وضواحيها.

• فمخيم البص مجاور للمدينة وملاصق لها، ويطل على منطقة الآثار السياحية، ويمتد على الضفة الأخرى من الكورنيش البحري الموصل إلى المدينة، ويمكن، لو أخليت المنطقة من سكانها اللاجئين، أن تتحول إلى مناطق ممسوحة، جاهزة للبناء، والإعمار، السكاني والتجاري، والسياحي وغيره. يؤكد البعض أن لدى متمولين من أبناء المنطقة، خرائط جاهزة منذ فترة غير قصيرة، ترسم لمنطقة المخيم مستقبلاً بديلاً، وأن الخرائط معلقة بإنتظار القرار السياسي المناسب.

• أما مخيم برج الشمالي، فهو يقع على تلة ملاصقة لبلدة برج الشمالي نفسها، وقد إمتدت تحته غابات من العمران، في منطقة المساكن وغيرها، وبات هو العقدة السكانية التي تفصل بين بلدة برج الشمالي، وجوارها نزولاً عند مدينة صور عبر بوابة البص. فضلاً عن أن المخيم يجاور عدداً من البساتين، يمكن بعد إزالته، أن تكون هذه البساتين ميداناً لمشاريع عمرانية وتجارية أخرى، في إطار حمى البناء الذي تشهده المنطقة، على حساب الزراعة، خاصة زراعة الحمضيات.

• أما مخيم الرشيدية، والذي له حسابات خاصة في الخطط المطروحة، ففيه تتوفر خصائص المناطق السياحية والعمرانية التي تواصلت منذ مدينة صور حتى أبعد من المخيم، وبحيث بات المخيم عقدة القطع، بينما حين أزالته، يتحول عقدة الوصل، وهناك خطط وخرائط، تطمح في تحويل المخيم إلى منتجعات سياحية كتلك التي نشأت إلى جانبه على بعد أمتار جنوباً من مطاعم وشاليهات وإستراحات ومقاهٍ وغيرها.

* * *

يعزز الحديث عن الإحتمالات وعن وجود خرائط ومخططات، المتابعة القلقة لأبناء المخيمات لما يدور حولهم من تحركات وتصريحات وما يرد إليهم من أخبار عبر الفضائيات.

فقد فاجأتهم العودة، على لسان قوى سياسية مختلفة عن خطر التوطين الذي يمثله وجود اللاجئين في لبنان. وقد إعتقد كثير من أبناء لمخيمات أن هذا الشبح المسمى توطيناً قد زال من أذهان الكثيرين، غير أن العودة إليه، هذه المرة، كانت صادمة وغير متوقعة ما أوحى أنها تحمل في طياتها إشارات مقلقة.

كذلك فاجأتهم العودة للحديث عن منافسة العامل الفلسطيني لليد العاملة اللبنانية، والربط بين «المنافستين» الفلسطينية والسورية للعامل اللبناني، علماً أن الدولة اللبنانية نظمت، بقوانين عدة، أوضاع العمالة الفلسطينية في لبنان، وهي ليست خارجة عن السيطرة الرسمية للدولة، ما يدعو للتساؤل عن جدوى هذه الإشارة في هذه الفترة بالذات، وعن جدوى الربط بين الحالتين السورية والفلسطينية وهما حالتان لا تتشابهان سياسياً.

ما يتسرب من دوائر عالمية عن مشروع أميركي لإزالة المخيمات، وتحويلها إلى مدن، ورصد الأموال الطائلة للدول المضيفة (مثل لبنان) لإنهاء «الحالة الشاذة» للمخيم، وتحويله إلى حالة مدينية: في سياق الحديث عن حل مسألة اللاجئين بشطب حق العودة وإلغاء الوكالة وحلها ونقل خدماتها إلى مؤسسات بديلة.

أما على الصعيد اللبناني، فقد لفت نظر اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان الدور النشط الذي تقوم به الولايات المتحدة، للتوسط بين لبنان وإسرائيل  لترسيم الحدود البحرية، وبما يمكن لبنان من الإنطلاق، بأمان، نحو إستغلال ثروته النفطية في مياه الجنوب اللبناني.

الأحاديث تدور حول أن ضمن «التفاهمات» التي يعمل عليها المبعوث الأمريكي سترفيلد، هي تلزيم عمليات التنقيب عن الثروة النفطية اللبنانية وإستخراجها، وتصديرها، إلى شركات أميركية. فالشركات الأميركية ضمانة أمنية ضد التدخل الإسرائيلي في شؤون الثروة النفطية اللبنانية. فضلاً عن أن الشركة الأميركية تشكل ضماناً بتنفيذ ما سيتم «التفاهم» عليه.

هنا، تحل العقدة الفلسطينية، حيث يدور الحديث عن شروط أميركية بتولي هذه المشاريع، من بينها إبعاد المخيمات الفلسطينية عن الساحل الجنوبي في لبنان، لأنها تحتضن أطرافاً سياسية مدرجة على جدول الإرهاب الأميركي. وهو أمر يعطي لمسألة نقل المخيمات [أي تهجير سكانها] بعداً سياسياً، و"إنمائياً" يمكن أن يبرر لأصحاب مشروع النقل أهدافه.

أما الوجه الآخر للصورة فمناقض تماماً.

تعيش مخيمات الجنوب حالة هدوء وإستقرار أمني ملموس عميق في ظل تعاون وثيق بين السلطات اللبنانية المعنية والمراجع في هذه المخيمات.  كما أن المخيمات مازالت تشكل قوة شرائية وازنة، في ظل تدفق أموال المهاجرين من أبنائها، بينما تراجعت إلى حد كبير أعداد اليد العاملة، في ظل نزيف بشري نحو الخارج، بإعتباره أصبح الحل الفردي شبه الوحيد للأزمة الإقتصادية والمعيشية التي يعيشها اللاجئون في لبنان عامة، وفي مخيمات الجنوب خاصة.

بقلم/ معتصم حمادة