لماذا تحضر مصر ورشة البحرين؟

بقلم: محمد سيف الدولة

أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية ما أسميتها بصفقة القرن تستهدف بها تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، ودمج (اسرائيل) فى المنطقة بدون الزامها بالانسحاب من اى اراضى محتلة، واطلاق رصاصة الرحمة على 26 عاما من اوسلو ومفاوضات السلام، مع استبدالها بحزمة من الصفقات المالية والاقتصادية لتحسين الاحوال المعيشية للفلسطينيين فى ظل الاحتلال، نظمت لها ورشة فى البحرين دعت اليها كل الاطراف المعنية.

 

***

أعلنت السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن رفضها القاطع لصفقة القرن جملة وتفصيلا ومقاطعتها لورشة البحرين وقامت بحض ومناشدة الدول العربية على عدم المشاركة فيها.

وأعلن كل الفلسطينيين بكافة فصائلهم ذات الموقف بكل الطرق وكل الصيغ وكل اللغات.

***

أعلن السيد عبد الفتاح السيسى فى 2 يونيو 2019 فى افطار العائلة المصرية ((باننا فى مصر لا نتكلم باسم الفلسطينيين ولا نرضى بأمر لا يقبلونه.))

وهو تصريح ليس له سوى معنى واحد وهو انه لا يمكن ان يشارك فى صفقة القرن أو اى من ترتيباتها طالما يرفضها الفلسطينيون بكل هذا الوضوح والاصرار.

***

ولكن اذا بنا نفاجأ بان مصر ابلغت الادارة الامريكية بنيتها المشاركة فى ورشة البحرين المزمع عقدها فى يومى 25 و 26 من الشهر الجارى.

فلماذا غير السيسى موقفه؟

  •        هل هناك للشعب المصرى أى مصلحة فى تمرير صفقة القرن؟
  •        هل هناك للدولة المصرية وكافة مؤسساتها اى مصلحة فى هذه الصفقة؟
  •        كيف يمكن ان يكون لاى مصرى او عربى، سواء كان فردا او دولة ذات سيادة، مصلحة فى ابتلاع (اسرائيل) لكامل ارض فلسطين، لكل الضفة الغربية وغزة، أو فى تثبيت وضع (اسرائيل) كقوة اقليمية عظمى تفرض سطوتها على الجميع، أو فى تطبيع عربى اسرائيلى كامل، يعفيها ويحررها من اى التزامات للانسحاب من ارض 1967 على أضعف أضعف الايمان؟
  •        حتى لو انطلقنا مما يعلنه السيسى دائما من أن هدفه الرئيسى هو تثبيت الدولة المصرية: "فكيف يمكن حماية مصر وتثبيت دولتها وتحقيق مصالحها العليا وحماية امنها القومى، من منظور النظام الحاكم الحالى، بتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية؟"

***

أم أن الحقيقة المرة هى أن مصر لا تستطيع أن تقول لا للامريكان، ولا ان ترفض لترامب طلبا، او تغضب منها زوج ابنته هذا الصبى الصهيونى الاحمق المسمى كوشنر؟

فهى ستقبل وترضخ على الدوام حتى لو كان فى الطلبات او التعليمات الامريكية، اضرار كبيرا بالمصالح المصرية وبامنها القومى وبمكانتها العربية والاقليمية او حتى بدورها بعد كامب ديفيد كوسيط بين الفلسطينيين وبين (اسرائيل).

واى سياسة خارجية واقليمية تلك التى تضع ارضاء الولايات المتحدة فوق اى اعتبار آخر؟

انها السياسة التى أسس لها السادات منذ مفاوضات كامب ديفيد حين قال لفريق التفاوض المصرى ساخرا ومعنفا، وفقا لرواية ابراهيم كامل، ((انه سيوقع على اى شئ يكتبه الرئيس الأمريكي كارتر بدون ان يقرأه!)) وهو الموقف الذى اسفر فى النهاية عن القبول بترتيبات عسكرية وامنية فى سيناء تنحاز للامن القومى الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى! لا نزال نعانى من عواقبها المدمرة بعد ما يزيد عن اربعين عاما.

***

وهى السياسة التى التزمها حسنى مبارك من بعده، حين شارك بقوات مصرية فى حرب تحرير الكويت لاعطاء شرعية للحملة العسكرية الامريكية على العراق.

وفعلها ثانيا بما اعطاه من تسهيلات لوجستية للقوات الامريكية فى قناة السويس وفى المجال الجوى المصرى كان لها دورا هاما فى نجاح عملية غزو العراق وفقا لشهادة القادة العسكريين الامريكيين.

وحين أُجبر على الانسحاب من المشاركة فى ادارة المسألة السودانية وتركها للولايات المتحدة لتنتهى بتقسيم السودان وانفصال الجنوب.

والامثلة كثيرة لا تحصى فى عديد من المجالات والملفات، بدءا بالتسليح والعلاقات العسكرية والترتيبات الامنية والاقليمية، ومرورا بالتعاون الاستخبارى وتبادل المعلومات، ونهاية بالسياسات والتوجهات الاقتصادية والانحيازات الطبقية.

الى الدرجة التى دفعت الدكتور مصطفى الفقى مساعد الرئيس السابق لشئون المعلومات للتصريح فى نهاية سنوات مبارك، بان رئيس مصر يجب ان تقبل به الولايات المتحدة وتوافق عليه (اسرائيل).

***

 ولم يختلف السيسى كثيرا عن سابقيه، فهو يسير على خطاهما بحماس واقتناع واخلاص بل ويزيد عليهما كثيرا؛ فلا يزال الراى العام يتذكر قيام مصر فى ديسمبر 2016 بسحب قرار ادانة المستوطنات الاسرائيلية من مجلس الامن بعد مكالمة تليفونية من ترامب.

ولا يزال يشاهد ما يجرى الآن من تنسيق وتقارب تصل الى درجة التحالف بين مصر و(اسرائيل)، التى أصبحت تتصدى للدفاع عن الادارة المصرية والترويج لها فى مراكز صنع القرار الامريكى والاوروبى، بعد أن كانت حتى سنوات قريبة لا تفعل شيئا سوى التحريض ضد مصر والمطالبة بتعليق المساعدات الامريكية لها وربطها بحزمة من الشروط الاسرائيلية فى سيناء!

***

وفى نهاية هذه السطور، يأتى السؤال الأهم وهو ماذا يمكن أن يفعل الفلسطينيون حين تتواطأ الدول العربية مع الأمريكان (واسرائيل) على كل ما هو فلسطينى؟

وماذا يمكن أن تفعل قوى المعارضة العربية حين ترى انظمتها الحاكمة تنتهك ما تبقى من الثوابت العربية وتتحدى الاجماع الشعبى العربى والفلسطينى وتشارك فى أخطر مذبحة امريكية ودولية تتعرض لها فلسطين منذ صدور قرار التقسيم عام 1947؟

*****

 

محمد سيف الدولة

[email protected]

 القاهرة فى 13 يونيو 2019