المؤتمر الاقتصادي الذى دعت له إدارة ترامب فى البحرين ما بين 25 و26 من يونيو حزيران الحالى تحت عنوان السلام من أجل الازدهار، هو خطوة متقدمة في تنفيذ صفقة القرن حيث يراد من هذه الورشة توفير 68 مليار دولار يخصص نصفها لمشاريع استثمارية فى الضفة والقطاع وهذا المبلغ هو رشوة علنية للفلسطينيين للاستسلام وليس للسلام من أجل التنمية والازدهار، وبات من الواضح اليوم أن الصفقة هى صفعة على وجه عدالة القضية الفلسطينية ؛ ولكن الادارة الأمريكية تريد أن يكون الكف الصافع كفا عربيا كون أن المال سيكون جله من خزائن دول الخليج العربى؛ والتى سارعت معظمها بالاعلان عن المشاركة والترحيب بالمؤتمر؛ وعلى الرغم من الرفض الفلسطينى للمؤتمر وإن كان يشكل عوارا له إلا أنه لن يعيق انعقاده، وهذا فى حد ذاته هو انعكاس واضح للأهداف الذى يرمي لها هذا المؤتمر والذى تتلخص فيما يلي:
1. تهميش التأثير السياسي الفلسطينى الرسمي والعودة به أربعة عقود من الزمن إلى الوراء حينما كان العرب هم المسؤولين سياسيا عن الفلسطينيين؛ وهذا يعنى إنهاء دور منظمة التحرير الفلسطينية واقعيا كممثل شرعي سياسي ورسمي عن الشعب الفلسطيني وهو ما يعكس افتقاد التسوية لجوهر أساسي فى حل الصراع ألا وهو حق تقرير المصير للفلسطينيين؛ فغياب الفلسطينيين عن هذا المؤتمر له مدلولات عميقة لما هو قادم خلال المرحلة القادمة من التسوية الأمريكية؛ وهنا يجب الانتباه الى أن اسرائيل والادارة الأمريكية ما كان لها أن تعتمد هذه الاستراتيجية فى تهميش الدور السياسي للفلسطينيين ما لم تكن معتمدة فى ذلك على ضوء أخضر عربي قوي وموثوق به قبل أن تشرع فى خطواتها الأولية فى تسويتها الراهنة.
2. ربط مسار التسوية الأمريكية للصراع الفلسطينى الاسرائيلى وهو صراع تاريخي متشعب الأبعاد بصراعات المنطقة الآنية الداخلية للدول والخارجية فيما بينها فى منطقة الشرق الأوسط واستخدام تناقضات تلك الصراعات بين الأطراف للضغط عليها ومقايضة دعمها لها بتأييد التسوية الأمريكية للصراع ضمن رؤية أمريكية متكاملة لتثبيت النفوذ الأمريكى عبر تحالف عربى اسرائيلي ضرورى وحيوى لمواجهة النفوذ المتزايد لقوى عظمى وأخرى إقليمية ترى كلا من الولايات المتحدة واسرائيل فيها خطر على مصالحها الاستراتيجية.
3. سيستخدم المؤتمر كوسيلة ضغط اقتصادية إضافية على القيادة الفلسطينية وعلى كل من القيادة المصرية والأردنية؛ وورقة الضغط فى هذا الصدد هى حجم الاغراءات المالية التى ستقدمها التسوية لإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية التى تعيشها كلا الدولتين؛ اما بالنسبة للفلسطينيين فإن الأمر يختلف حيث يراد من تلك الإغراءات المالية إيجاد حالة من التناقض فى المصالح بين عموم الشعب الفلسطينى وقيادته بحيث تظهر القيادة الفلسطينية كعقبة فى طريق خروج الشعب الفلسطينى من أوضاعه الاقتصادية المزرية الراهنة التى أصبحت اليوم تمس بكل تفاصيل الحياة الآدمية وليس الاقتصادية فحسب لجل سكان الضفة والقطاع ؛ وهنا يراد أن تقع القيادة الفلسطينية اذا استمرت فى رفضها للتسوية الأمريكية بين سندان الضغوط الخارجية والضغط الشعبي الذى يزيد منه حملة التسريبات الممنهجة لملفات تجاوزات مالية مزعومة لحكومة السلطة مشفوعة بوثائق مسربة بين الفينة والآخرى والهدف منها ترسيخ صورة تراكمية لدى الشعب الفلسطينى عن سلطته الوطنية كجسم سياسي غارق فى الفساد وغير مؤهل للإدارة والحكم؛ إضافة لاستمرار الانقسام الفلسطينى وتبعاته السياسية والاقتصادية والتي تمثل عامل مساعدا جدا يخدم وبقوة تلك الاستراتيجية الامريكية وبصورة كبيرة فى خلخلة ثقة الشعب بكل قياداته على اختلاف أيديولوجياتها ونهجها النضالى.
ومن هنا تأمل الادارة الأمريكية واسرائيل فى أن يكون استمرار هذا الوضع القائم محفزا على ظهور قوى اقتصادية برغماتية مستقلة ستدعمها الادارة الأمريكية اقتصاديا وسياسيا وصولا إلى أن تصبح تلك القوى لاعبا سياسيا رئيسيا فى الساحة الفلسطينية مستقبلا بحيث يستبدل المشهد السياسي الفصائلي الفلسطينى القائم اليوم بمشهد سياسي اقتصادى تتحكم فيه جماعات ضغط اقتصادى (لوبيات) ترتبط مصالحها الاقتصادية والسياسية بقوى خارجية، وهذا تحديدا هو ما تطمح فى أن تراه الادارة الامريكية واسرائيل قائما فى أى كيان سياسي فلسطيني تنتجه صفقة القرن .
وعليه على الفلسطينيين أن يدركوا اليوم حقائق التغيير فى الجغرافيا السياسية فى المنطقة أولها أن المصالح الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية لم تعد اليوم ضمن المصالح الوطنية الاستراتيجية العربية، وأكثر من ذلك فقد أصبحت المصالح الوطنية الاستراتيجية لبعض الدول العربية تتعارض وبحدة مع المصلحة الفلسطينية؛ والتى هى فى مضمونها إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية ضمن حدود قرارات الشرعية الدولية؛ وعلينا فى هذا الواقع المرير أن نعيد صياغة تحالفاتنا طبقا لتلك التغيرات؛ ولكن قبل ذلك علينا ادارك أن المصلحة الوطنية الفلسطينية هى التى يجب أن تكون الأولوية الأولى وهذا يتطلب وفى المقام الأول إعادة الوحدة واللحمة الفلسطينية وإنهاء الانقسام واعادة ترتيب البيت الفلسطينى والنظام السياسي الفلسطيني استنادا إلى الإرادة الشعبية وعبر نهج ديمقراطي واضح التفاصيل يكون بمقدوره تحويل الفلسطينيين من نهج الدفاع إلى الهجوم ومن نهج المفعول به إلى طرف فاعل فى الصراع؛ لأن الرفض وحده للصفقة التى تدار على قدم وساق فى كل قضايا الصراع وبشكل تراكمى منذ عامين لم يعد يكفي، وعلينا اعتماد سياسة جديدة عملية على الأرض مضمونها هدم المعبد على رؤوس الجميع إذا ما استمرت الادارة الأمريكية واسرائيل فيما تقوم به من تغييرات عملية على الأرض فى قضايا الحل النهائي ... وهذا إن أردنا أن نفشل المخطط الأمريكى الاسرائيلى وأن لا نصبح الهنود الحمر الجدد للشرق الأوسط لأن هذا هو فى الحقيقة ما سيؤول إليه مصيرنا فى ختام مراحل التسوية الأمريكية إذا ما قدر لها النجاح .
بقلم/ د. عبير ثابت
أستاذ علوم سياسية