بعيدا عن الصراعات الحزبيه السياسيه في مصر وغير مصر، اليوم يرتقي محمد مرسي شهيدا ومن ثم ينبغي لنا تقييم سلوك هذا الرجل كأنسان محاسب على عمله خيره وشره. وبصراحه تمعنت في سلوك وتاريخ هذا الرجل، ولم اجد منه الا ما يحث على الاحترام والتقدير. واننا نحزن ان يكون وفاته بهذه الطريقه وهو يقف في محكمه كمجرم بعد ان كان رئيسا، ويحاكم بتهمه هزليه وهي التخابر مع حماس بعد الاطاحه بحكمه بقوه الجيش. وقبل ان ينطق القاضي بحكمه بدقائق، ارتقى شهيدا ليكون الله الشاهد والقاضي الذي يفصل بينه وبين خصومه يوم القيامه. وهل اعدل من حكم الله.
ابى الله تعالى ان يتم اذلال محمد مرسي بحكم قاضي مسيس مستأجر، فاختار ان يرتقي شهيدا عنده. يذكرنا هذا الموقف عندما رفع الله سيدنا عيسى شهيدا قبل ان يصل اليه بني اسرائيل ليقتلوه. وكل ذلك يدلل على ان الرئيس السابق محمد مرسي مات مظلوما كالرئيس ياسر عرفات وغيره ممن انتهت حياتهم ظلما بصراعات سياسيه او دينيه.
لم اعرف الرئيس محمد مرسي الا عندما رشحته حركه الاخوان رئيسا. وكان النظام المصري يعلم جيدا انه هرب من السجون اعقاب الثوره على حكم الرئيس السابق حسني مبارك. واعطاه المجلس العسكري البراءه انه سجن ظلما. وكل هذا يدلل على انه كان هناك تحالف بين القوات المسلحه وحركه الاخوان المسلمين على الثوره على حكم حسني مبارك خشيه توريثه الحكم لابنه جمال مبارك. وبعد فوز حركة الاخوان المسلمين في انتخابات ديمقراطيه، وان كانت نسبه الفوز ليست كبيره على خصمه محمد شفيق حينها. تفاجأنا بعد فوزه بسنه بافتعال ازمات وقيام ثوره مضاده على انتخاب محمد مرسي. في حين ان الرجل لم يعطى أي فرصه للحكم. وكان ذلك بدعم الجيش المصري. وتم الاطاحه بحكمه بانقلاب عسكري بعد ان رفض الاستقاله او التنازل عن الحكم كما فعل الرئيس السابق حسني مبارك. وبقى محمد مرسي ينادي انه الرئيس الشرعي للبلاد وانه تم الانقلاب على حكمه.
انا كفلسطينيه لا اعرف اسباب الانقلاب على حكم محمد مرسي لانني ارى انه اصلا لم يعطى فرصه للحكم ولم يثبت على حكمه أي فساد. بالعكس تعاطف محمد مرسي كثيرا مع مأسي اهل غزه وقام بفتح معبر رفح بشكل دائم. لم يغلق معبر رفح بعهده يوما واحدا ولم نشهد بعهده حتى أي كشوفات للسفر. ولم نرى اي حوجز شاقه بين معبر رفح وداخل مصر. كما لم تشهد رفح والمناطق القريبه من معبر رفح أي هدم للمنازل وتهجير للسكان. وكان اول من حارب الجماعات الارهابيه بسينا، ومن ثم هو ابعد ما يكون عن الارهاب. كما قدم خط كهرباء لغزه بقدره 30 ميجا وات للتخفيف من ازمه الكهرباء بغزه. كما حاول تقديم مبادرات لمنع الحرب بغزه كمبادره التهدئه بعد حرب 2012 لثمان ايام.
ومن هنا نحن كشعب فلسطيني لم نرى من الرئيس السابق محمد مرسي الا كل خير ومحاولات حثيثه للتخفيف من ازمات اهل غزه. ومن ثم كان واجبا علينا ان نكن له كل احترام وتقدير بسبب تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، بعيدا عن تنظيمه السياسي.
كنت استغرب لماذا افتعال الثوره على حكمه. اذكر في عام 2012 ان كنت بزياره عابره لمصر وكان في هذه الفتره يتم التحضير للثوره على حكم محمد مرسي. كنت بالباص حين كان مجموعه من الشباب يتوجهون لقصر الاتحاديه وكنت استمع لشعاراتهم. استغربت كثيرا انهم يحتجون على فتح معبر رفح وعلى خط الكهرباء لغزه واعطاء غزه مساعدات انسانيه. ودخلت معهم في جدال: "عجبا، هل ترون عمل الخير لاهل غزه خطيئه يقوم بها الحاكم". طبعا هذا عينه ممن افتعلوا الثوره على حكم محمد مرسي وحجتهم للثوره عليه.
لكن الحق يقال ان اغلبيه الشعب المصري متعاطفه مع محمد مرسي وبنسبه تزيد عن 90 %. عندما كنت اسألهم، كانوا يقولون لي ان هذا الرجل كان يريد عمل اصلاحات ويرسخ الدين ولم يعطوه الفرصه. كما لم يكن لديه أي سيطره على اجهزه الامن، ومن ثم تم افتعال ازمات امنيه. كما تم افتعال ازمات معيشيه، كازمه ارتفاع سعر الوقود وغير ذلك من الازمات. وان القبول بترشح الاخوان في الانتخابات حينها حتى يخرج قياداتهم للضوء ثم يتم الانقلاب على حكمهم واعتقالهم ومحاكمتهم بتهم سياسيه. كلمه للحق، لم اجد مواطن واحد في كل مصر يذكر محمد مرسي بسوأ.
بالتمعن للتهم التي اتهم بها محمد مرسي ورفاقه، لم يوجد بها تهمه واحده للفساد والاختلاس. جميعها تهم سياسيه بامتياز، كالتخابر مع قطر والتخابر مع حماس والهروب من السجون.
اما قطر فتربط مصر وقطر علاقات وطيده من الازل ويوجد سفاره قطريه بمصر، ويوجد تعاون اقتصادي وثقافي واجتماعي بين مصر وقطر. وجاليه مصريه عريقه منذ الازل في قطر، ومن ثم تنتفي تهمه التخابر معها بالدليل والامر الواقع.
اما التخابر مع حماس، فانني اذكر ان محمد مرسي هو اول من امر بهدم الانفاق بين مصر وغزه، ولم يفتح أي معابر تجاريه لدخول البضائع بين مصر وغزه . واذكر ان سأل طوني خليقه موسى ابو مرزوق اليسوا متضايقين في حماس من محمد مرسي ان لم يفتح أي معابر تجاريه بين مصر وغزه واغلق الانفاق. فرد موسى ابو مرزوق انهم لا يتدخلوا في سياسات مصر، وانه يجب ان يزيلوا ايضا الانفاق الاخرى. ورفض موسى ابو مرزوق الافصاح عن قصده بالانفاق الاخرى. ومن ثم كان واضحا ان محمد مرسي يأخذ قراراته بالتوافق مع القوات المسلحه المصريه. بل لم يزر محمد مرسي غزه طيله فتره حكمه. وكل هذا ينفي عن محمد مرسي أي تهم غير وطنيه. فمن الواضح انه كان يعمل لخدمه وطنه فقط بعيدا عن أي ولاءات حزبيه. ثم انكم لو ترقبتم ستجدون ان نسبه من اهل غزه ناصريون ونسبه اخرى اخوان. فهل الانتماء للفكر الاخواني او الفكر الناصري خيانه ؟؟؟ وهل تعتبر التفاهمات التي تتم بين حماس والنظام المصري اليوم خيانه ؟؟؟؟
اما تهمه الهروب من السجن، فانتم لا تسمحون لشخص بالترشح للانتخابات الا وملفه مستوفي من كافه النواحي. سواء من الناحيه العرقيه او العائليه او الامنيه او الصحيه او الاكاديميه. ومن ثم مجرد ترشحه وفوزه بالانتخابات تنفي عنه أي تهم اخرى تسبق ترشحه للانتخابات.
اكثر ما يؤلمني انه كان يناشد اهل محمد مرسي السلطات مصريه ان محمد مرسي مريض فوفروا له الرعايه الصحيه، ولكن لم يتم الاكتراث لنداءاتهم. ليقع مغميا عليه ويوافيه الموت من شده المرض فيثبت لنا مصداقيته مجددا.
هذا الرجل كما عهده الناس، لم ينطق الا بالصدق. كان صادقا عندما قال انه مريض ويموت ببطأ بالاهمال بعلاجه. وكان صادقا عندما قال انه الرئيس الشرعي وتم الانقلاب على حكمه ظلما. وكان صادقا عندما قال انه لم يتاح اليه الحديث مع فريق دفاعه ويتم تلفيق التهم له، وان لديه امانه يريد ان يصلها لمحاميه ولا يسمح له.
صدق محمد مرسي مع الله والناس، وسيصدقه الله وعده بمشيئه الله . رحمه الله ندعو الله اني كون مثواه الجنه بمشيئه الله تعالي بمنزله الشهداء.
واناشد النظام المصري العدل ثم العدل ثم العدل بعيدا عن الصراعات الحزبيه على الحكم. وان لا ينال رفاقه مصيره. هم ابنائكم انتم منهم وهم منكم. هذه الحقيقه التي ستبقى للابد. قد يعتقل مواطن مصري او يموت ظلما وبهتانا، لكن الاحساس بالظلم سيرثه ابنائه وعشيرته وتنظيمه من بعده وسيخلق صراعات وفتن بالمجتمع لن تستطيعوا السيطره عليها
سهيله عمر
[email protected]