المؤتمر الذي تعدّ له الولايات المتحدة في البحرين ستكون له نتائج على صعيدين عمليين: الأول، التمهيد لعلاقات رسمية بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، عبر افتتاح سفارة إسرائيلية في المنامة. والثاني، جعل العاصمة البحرينية منصّة وقاعدة انطلاق لما يسمّى أميركياً «خطّة السلام الشاملة» في المنطقة.
وفي هذا السياق، بحسب ما ذكرته صحيفة «الأخبار اللبنانيه » أن مسئولين سعوديين حضروا مؤتمر «اللجنة اليهودية الأميركية» (AJC) لهذا العام (GLOBAL FORUM 2019)، الذي انعقد في واشنطن في 3 و4 حزيران الجاري. وقد حضر هؤلاء ضمن وفد دبلوماسي بحريني رفيع المستوى (لم يقتصر فقط على سفيرة المنامة لدى واشنطن) شارك في المنتدى السنوي للمنظمة الداعمة لإسرائيل. وبحسب المصادر، شهد المنتدى ورشاً تتعلّق بإنجاح «مؤتمر المنامة» ومسار التطبيع.
وهذا عكس الواقع ويخالف تطلعات الفلسطينيين إذ إن الاقتصاد الفلسطيني لا يمكنه أن يزدهر في ظل الاحتلال والحواجز، والسيطرة على الأرض والمقدرات، مع وجود ستمائة حاجز عسكري إسرائيلي في مدنها، والإبقاء على غزة محاصرة، وبالتالي فإن الحديث عن سلام اقتصادي بديل للمسار السياسي، سيُمنَى بفشل ذريع، ولن ينجح، لأن المطلوب أن يسير الأمران بالتوازي.
يذكّرنا مؤتمر البحرين بالوعود التي سمعها الفلسطينيون عشية توقيع اتفاق أوسلو 1993، حين تم الترويج لمقولة تحويل قطاع غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط، وتحويل الضفة الغربية إلى ماليزيا المنطقة، واليوم يحق للفلسطينيين أن يتخوفوا من انعكاس مؤتمر البحرين على تأبيد مشروع "التقاسم الجغرافي الوظيفي" الذي لا يُخفِي اليمين الإسرائيلي رغبته بترسيخه بين غزة والضفة، وإبقاء الانقسام بينهما قائماً.
كما يعود رفض الفلسطينيين مؤتمر البحرين إلى تخوُّفهم أن يرسّخ القاعدة الإسرائيلية "القديمة الجديدة" في التعامل مع الفلسطينيين على اختلاف أماكن وجودهم: "الجزرة مع الضفة، والعصا مع غزة"، وانتقال هذه القاعدة في وقت لاحق لتكون عنوان السياسة الاقتصادية الإسرائيلية في التعامل مع غزة بعبارتي "لا تحيا ولا تموت".
يُظهِر مؤتمر البحرين أنه إعادة لإنتاج أفكار سابقة قادها مبعوث الرباعيّة السابق توني بلير ووزير الخارجيّة الأميركيّ السابق جون كيري لحلّ الصراع الفلسطينيّ-الإسرائيليّ على طريقة السلام الاقتصاديّ، الذي لم يثبت نجاحه حتى الآن بمعزل عن القضايا السياسية، لكنّهما لم ينجحا في حينه، الأمر الذي يضع علامات استفهام حول مدى قدرة إدارة ترامب على النجاح في ما فشل فيه الآخرون.
في أول إجراء عملي لتنفيذ خطة السلام الأميركية المعروفة "بصفقة القرن"، أعلنت الإدارة الأميركية عن مؤتمر اقتصادي في العاصمة البحرينية المنامة "كجزء من خطة السلام"، في حين رفض الفلسطينيون المشاركة في المؤتمر مجددين رفضهم التعاطي مع أي أفكار تتجاهل مرجعيات عملية السلام.
ويهدف المؤتمر الذي يعقد تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار" يومي الـ 25 و26 من شهر يونيو (حزيران) المقبل الى "تشجيع الاستثمار في المناطق الفلسطينية وتبادل الأفكار ومناقشة الاستراتيجيات وحشد الدعم للاستثمارات الاقتصادية التي يمكن تحقيقها من خلال اتفاقية السلام"، بحسب بيان أميركي بحريني مشترك.
الحياة ستتغير جذرياً
أضاف البيان أن المؤتمر سيعمل على وضع "رؤية وإطار طموح قابل للتحقيق لمستقبل مزدهر للشعب الفلسطيني والمنطقة بما في ذلك تحسين الإدارة الاقتصادية وتنمية رأس المال البشري وتيسير النمو السريع للقطاع الخاص". واعتبر البيان "أنه في حال تنفيذ تلك الرؤية، فإن الحياة ستتغير جذرياً وستضع المنطقة على الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقاً".
قالت مصادر أميركية إن المؤتمر سيترأسه صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، ومبعوث البيت الأبيض في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات بحضور وزراء اقتصاد عرب، ووزير الاقتصاد الإسرائيلي موشيه كحلون فضلاّ عن مشاركة رجال أعمال من دول العالم.
وقال كوشنر "انه عمل على وضع تفاصيل نموذجية للاقتراح الاقتصادي تحاكي قصص نجاح بولندا واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية، مضيفاً أن المؤتمر سيحاول العمل على تجنب القضايا السياسية الكثيرة التي جعلت السلام بعيد المنال لفترة طويلة مثل إقامة دولة فلسطينية ووضع القدس والإجراءات التي تتخذها إسرائيل باسم الأمن، واللاجئين".
فيما يرى الفلسطينيون على اختلاف مشاربهم السياسية وتوجهاتهم التنظيمية أن مؤتمر البحرين الاقتصادي يتبنى الرؤية الإسرائيليّة الخاصّة بالسلام الاقتصاديّ، وجزء من صفقة القرن، وتطبيعاً عربياً رسمياً مع إسرائيل.
إنّ رفض المشاركة الفلسطينية في مؤتمر البحرين سيضع صعوبات أمام مشاركة القطاع الخاص ورجال الأعمال، كما أنّ تجاوز المؤتمر للسلطة سيضعف مخرجاته.
الرأي السياسي لحزب عدالة الفلسطيني / يكتبه المحامي علي ابوحبله