الشيخ محمد العمري، نارٌ على علم، في مخيم اليرموك، بل وفي عموم دمشق، صعد دوره منذ سنوات قبل المحنة السورية، لكن هذا الدور نما وازداد حضوراً أكثر فأكثر بعد المحنة الكبيرة التي أصابت شعبنا الفلسطيني في سوريا وعموم الشعب السوري في المقتلة الآليمة.
اجتهد، وحاول ــــــ وله في هذا نصيباً كبيراً من التقدير ــــ له ماله، وعليه ماعليه، فعمل، وبمرونة العقل الفلسطيني المدعوك بالتجارب، على السعي لتحقيق انفراجات في محنة اليرموك منذ نهاية العام 2012 والى العام 2017، من خلال ماسمي بــ "المصالحات"، واحلال التوافقات، وتجنيب اليرموك مأساة الواقع الذي انتهى اليه، والذي كان اكبر من كل الحالة الفلسطينية، وكل القوى والفصائل. فكان اول من عمل على تشكيل لجان مصالحات باليرموك والمنطقة الجنوبية، راقت للبعض، وطعن بها اخرون، وكان من بين دور تلك اللجان ادخال المساعدات لليرموك، خاصة بداية العام 2014، حيث تمت التوافقات ولكنها فشلت بعد ذلك لأسباب مختلفة.
وكما تقول سيرته الذاتية، المنشورة، حصل الشيخ محمد العمري على إجازة في الشريعة من الجامعة الإسلامية، وعلى إجازة في الحقوق من جامعة دمشق. وعلى إجازة عامة بالعلوم الشرعية والعربية والمنطق من سماحة الإمام العلامة الشيخ الدكتور محمد عبداللطيف صالح الفرفور الحسني. وإجازة بعلم العقيدة الإسلامية والفقه الشافعي من سماحة الإمام العلامة الشيخ الدكتور عبد العزيز الخطيب الحسني، وإجازة في علم الحديث من فضيلة الإمام العلامة المحدث الشيخ نعيم العرقسوسي، وعلى الدكتوراة الفخرية من مركز رؤية للدراسات والأبحاث في فلسطين. تحصيله الشرعي، وتفقه بالعلوم الشرعية، دفع به للعمل في وزارة الأوقاف، فتناوب على خطبة الجمعة في عدة مساجد من مساجد مخيم اليرموك، ودمشق.
كان الشيخ محمد العمري، وفي مقتبل فتوته، رياضياً متميّزاً بلعبة رياضة الكاراتية، التي تفوق بها على أقرانه في أندية مخيم اليرموك العديدة والتي كانت تنشر في كل مناطق المخيم، كما على أقرانه في أندية مدينة وضواحيها دمشق. وقد تسلم موقع امين سر لعبة ونوادي الكاراتية في الإتحاد الرياضي الفلسطيني العام، فرع سوريا، وقد مكنته رياضة الكاراتية من اتقانه القتال بالسلاح الأبيض (الناشاكو، والسكاكين، والشباري، والشنتيانات، وسلاح البومة ...) ومواجهة الأشرار بكفاءة. كان هذا في فتوته وبدايات شبابه. فأطلق عليه البعض في ذلك الوقت لقب الــ (ساموراي)، ولاحقاً الشيخ ساموراي، وهو اللقب الذي كان يُطلق على المحاربين القدماء في اليابان. وتعني كلمة (ساموراي) في اللغة اليابانية "الذي يضع نفسه في الخدمة".
التحق الشيخ محمد علي في مطلع شبابه بالعمل الفدائي الفلسطيني، مقاتلاً في صفوف الثورة والمقاومة على جبهاتها الساخنة جنوب لبنان من قطاعه الغربي على شاطى مدينة صور وجنوبها، وانتقالاً الى القطاع الأوسط (قطاع النبطية) وصولاً للقطاع الشرقي (قطاع العرقوب)، فخدم لسنوات في صفوف منظمة الصاعقة، ومن ثم في صفوف حركة فتح وقوات العاصفة.
ومن حسن الحظ، وعندما كنت معنياً باحدى المقرات الفلسطينية في اليرموك، في التنظيم الذي كنت انتمي اليه، المقر الذي كان يعج بالفتيان والفتيات، والشبان والشابات، ومختلف الأجيال، ليل نهار، وبالنشاطات اليومية المتنوعة السياسية والتعبوية والثقافية، وغيرها، أن كان منزل عائلة العمري قريباً جداً من المقر، مما فتح المجال أمامي للتعرف على عائلة الشيخ محمد العمري، على والده وأشقائه، وكم من مرة افصح لي والده عن خشيته من وجود السلاح في المقر، فكنت اكرر له على الدوام أن السلاح الموجود، سلاح مرخص عند الجهات المعنية، ومسيطر عليه تماماً، وليس سوى بنادق محدودة العدد، وللحراسة فقط.
من المهم على الشيخ العمري، ونحن نتحدث هنا بالمحبة، أن يسير على مسافة واحدة من الجميع، من قوى وفصائل، دون تحزّب أو انحياز فصائلي ضيق، فالحالة الوطنية الجامعة، لاتقبل المحورة، بل تلعب دوراً تجميعاً، لتوحيد الجهود والتقريب بين الجميع.
الشيخ محمد العمري، وكما يؤكد دوماً، ينتمي كما كل الشعب الفلسطيني الى هذه الأرض، الى الزيتونة السورية، التي تجمع بلاد الشام، الوطن الواحد، فهو طبراني الجذور من اقليم فلسطين الشامي مائة بالمائة، كان وسيبقى ... لكن حياته كانت في صخبها وضجيجها، دمشقية أيضاً مائة بالمائة. وهنا جميع فلسطينيته بانتمائه الى فضاء وطنه الواحد بلاد الشام 100/2 + 100/2 = 100 مائة بالمائة.
بقلم/ علي بدوان