عادة يتنظر الناس مضي المائة يوم الأولى للنظر في مسيرة الحكومة أو تقييم عملها، وفي العادة الحكومة تقديم كشف حساب عن عملها وادائها في المائة يوم الأولى، هذه السابقة فعلها رئيس الحكومة محمود عباس عام 2003 آنذاك أمام المجلس التشريعي. فيما لم ترسخ كتقليد حكومي في البلاد خاصة بعد تعطل عمل المجلس التشريعي، وبالتالي باتت الحكومات في حلٍ من هذه المساءلة. لكن الجمهور اليوم لا يمتلك رفاعية هذا الانتظار، ومع ذلك، هذا المقال لا يدعي تقييم الأداء أو المساءلة بقدر ما يثير تساؤلات حول أداء الحكومة في قضايا شغلت الرأي العام.
أولى هذه القضايا ما جرى في قرية جفنا والتي شكلت الامتحان الاول لرؤية الحكومة حول سيادة القانون وقدرتها في مواجهة الانفلات والخشية من الفوضى. في هذا الاختبار سقطت الحكومة التي جنحت مع أطراف أخرى لإجراء "صلحه طائفية" على غرار الصلح العشائري. الامر الذي ينتقص من دور مؤسسات الدولة ويؤثر عليها وبكل تأكيد يَحِدُ من سيادة القانون ويُحيده.
وثاني هذه القضايا تتعلق بطريقة معالجة "فضيحة رواتب الوزراء"؛ فالحكومة اذ بادرت إلى تأكيد وقف صراف المبالغ المخالفة للقانون أو بمعنى أخرى الالتزام بالقانون الخاص برواتب الوزراء رقم 11 لسنة 2004. الا الحكومة لم تقدم أجوبة واضحة حول هذه القضية، والأخطر من ذلك لم تقم بإجراءات لضمان عدم تكرار مثل هذه الحادثة. تكمن المشكلة الحقيقة في هذه الفضيحة، وعلى ما يبدو غابت عن ذهن الحكومة، بإدارة الحكم وبطريقة اتخاذ القرارات وسيادة القانون واحترام المؤسسات ومنع تضارب المصالح وليس بالمبلغ نفسه على أهمية النقاش المجتمعي في هذا الامر.
إذ كان حريٌ بالحكومة اعتبار هذه الحادثة كفرصة لتعزيز الثقة بالنظام السياسي من خلال القيام -على سبيل المثال-بإقرار مدونة السلوك الأخلاقية للوزراء، وفتح سجل الإفصاح عن دخل الوزراء، والإعلان عن الامتيازات التي يحصل عليها الوزراء وطرق التحقق من سلامتها، وتشكيل لجنة لنزاهة الحكم من شخصيات ذات مصداقية. وهي إجراءات طمأنه بدلا من إبقاء المجال واسعا للإشاعات التي زادت من عدم الثقة بالنظام السياسي على عكس هدف رئيس الحكومة الذي أعلنه مرارا وتكرارا بأن مهمة حكومته "إعادة الثقة بالنظام السياسي".
وثالث القضايا تتمثل بالتصريحات التشاؤمية المتكررة لرئيس الحكومة حول صعوبة الوضع الاقتصادي في الأشهر القادمة. وفي ظني ان الجمهور الفلسطيني مدرك تماما لمدى صعوبة الأوضاع الاقتصادية جراء الجريمة الإسرائيلية، ربما أكثر من قيادته باعتبار انه الأكثر تضررا ويعيش هذه الصعوبات قبل وقف استلام أموال المقاصة ردا على هذه الجريمة، فالجمهور يريد من رئيس الحكومة أن يطلعه على الجهود التي تبذلها الحكومة "القيادة" لتجاوز الازمة واتخاذ التدابير التي تُمكن من التخفيف من هذه الصعوبات، والإجراءات التي تساهم في ضبط الانفاق وتخفيف الأعباء بإجراء حكومي كالزام الشركات المزودة للخدمات "وهي في أغلبها شركات احتكارية" تحصيل فواتيرها بنسب الرواتب، وهي لم تفعل وتركت ذلك "لشهامة" رأس المال.
ورابع هذه القضايا تصريح رئيس الحكومة حول تسريح أفراد الامن؛ وهو تصريح خاطئ على المستوى السياسي باستخدامه كأداة ضغط على الإسرائيليين؛ إذ كان يكفي اغلاق بدالة هاتف التنسيق للضغط، وهو اجراء كارثي على المستوى الداخلي في اتجاهات ثلاث؛ الأول: النظر الى مهمة الامن الفلسطيني كونه للتنسيق مع الإسرائيليين وليس لحماية المجتمع. والثاني: افراد الامن الذين سينظرون على أنهم الضحية الأولى لأي إجراءات تقشفية أو عملية المواجهة، في وقت تغيب فيه أية بدائل تشغيلية أمامهم. والاتجاه الثالث: يتمثل بمخاطر تفكير السياسيين وعدم استيعابهم لدرس عام 2007؛ عندما لم تهتم قيادة السلطة بحال جنودها ما أدى الى انهيار أجهزة الامن في قطاع غزة، وهي بكل تأكيد مقامرة بضرب السلم الأهلي وحفظ الأمن وهي كذلك وصفة للفوضى والفلتان. كما انها مغامرة غير محسوبة في فهم اتجاهات التفكير لدى المواطنين الذين يمكن أن يقايضوا بقبول سوء الأوضاع الاقتصادية بضمان الامن والسلامة الشخصية لهم ولعائلاتهم.
وخامس القضايا؛ استمرار مجلس الوزراء العمل بقاعدة "الكتمان خيرٌ وانفع" كالحكومة الفارطة بدلا من الانفتاح ونشر جميع قرارات مجلس الوزراء في وسائل الاعلام وعلى موقعه المعطل عمليا في هذه الجزئية. وتغيير بيان الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء ذو اللغة الخشبية الذي يسرد "احداث" ذاك الأسبوع ويبدأ بالشكر والترحيب والادانة والاستنكار وينتهي بإعلانٍ خجولٍ لبعض القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء. أي بمعنى اخر فوت رئيس الحكومة فرصة ترجمة الاقوال حول الانفتاح والشفافية التي تحدث عنها في بدء عهدته الى أفعال في السبعين يوما الفارطة كإصدار قانون حق الوصول الى المعلومات ونشر قرارات الحكومة واعمالها.
وسادس القضايا، تتعلق ببرنامج الحكومة أو برنامج المائة يوم الأولى، لم نرَ برنامج الحكومة أو نسمع عنه، في المقابل سمعنا عن برنامج المائة يوم الأولى في احدى جلسات مجلس الوزراء لكن لم نره ولم يتح للجمهور الاطلاع عليه، أي عمليا بقي "سرياً" مما يمنع إمكانية مساءلة الحكومة بشكل موضوعي ومهني، ويبقي على التكهنات والتقديرات كأساس للتقييم، ويفتح مجالا للأطراف المختلفة المتنافسة أو المتصارعة لوضع استنتاجاتها دون قدرة الجمهور على معرفة الغث من السمين أو محاكمة هذه الاستنتاجات.
هذه التساؤلات، كما تمت الإشارة اليها أعلاه، تحتاج الى إجابات للجمهور واضحة وتحتاج الى إجراءات وتدابير لا أقوال دون أفعال، وهي بكل تأكيد جزء من نقاشات الناس في طول البلاد وعرضها، وهم يتفهمون عدم قدرة الحكومة على تغيير جوهري في الوضع الاقتصادي أو السياسي لأسباب موضوعية وذاتيه ويدركون الصعوبات التي تواجه الحكومة قبل تشكيلها، لكن يعرفون تماما ما على الحكومة فعله وما تستطيع عمله. ما يطرح التساؤل: هل فشلت حكومة إشتيه قبل إتمام المائة يوم الأولى من عمرها؟
جهاد حرب