منذ اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بنقل سفارة بلاده إلى القدس باعتبارها العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني، كما يزعم، وما تلاها من خطوات عدائية إستهدفت الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والتي تمثلت بقطع المساهمات الامريكية عن وكالة الغوث والسعي لإعادة تعريف اللاجئين في محاولة لشطب حق العودة واقفال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وتشريع الاستيطان الصهيوني فوق الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والموافقة على قانون يهودية الدولة العنصري والتي ترافقت مع تصريحات سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان بحق إسرائيل في ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية ناهيك عن دعم النشاط الإستيطاني الذي بات على مشارف السيطرة على جميع مقومات الدولة الفلسطينية، تسارعت الخطوات المتعلقة بترجمة بنود صفقة القرن الأميركية الهادفة لانهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والتي قدم الشعب الفلسطيني آلاف مؤلفة من الشهداء والجرحى والأسرى في سبيلها كمحاولة لفرض سياسة الأمر الواقع على الارض، اي تنفيذ الصفقة قبل الاعلان الرسمي عنها..
وتأتي "ورشة المنامة الاقتصادية" المنوي عقدها في العاصمة البحرينية كتكملة لرزمة الخطوات التي ترسم كامل معالم الصفقة المشؤومة وكونها الشق الاقتصادي من الصفقة الذي يحول طاولة المؤامرات العربية الى منبر للمزاد العلني الأمريكي الذي ينوي بيع القضية الوطنية الفلسطينية بأبخس الأثمان من جيوب الفلسطينيين وبالاموال العربية!!!
لا يخفى على احد الحالة الهشة التي تعاني منها القضية الفلسطينية على صعيد الاوضاع الداخلية بفعل الانقسام الذي يفتك في جسد القضية الوطنية منذ ١٢ عاما بعد ان تحول إلى مرض عضال اصاب جهاز المناعة الفلسطينية حتى بات عاجزا عن ترميم خلاياه على الرغم من العقاقير الكثيرة التي ركبت في أكثر من عاصمة عربية في محاولة لتدارك اي انهيار كلي لهذا الجسد المنهك..
الا ان الفيروس الأمريكي النامي على الخميرة الصهيونية في مختبرات الإجرام الفاشية في تل أبيب، استطاع على الرغم من قبحه وخبثه ان يقرع ناقوس الخطر الاخير على مسامع الكل الفلسطيني ليعلن حكما للاعدام الوشيك بات يهدد هذا المارد المدد على مساحة الوطن..
جاء الموقف الفلسطيني الموحد الرافض بشكل قاطع للصفقة الترامبية بجميع بنودها ومخرجاتها، والذي توج بموقف جامع لرفض المشاركة الفلسطينية بالمؤتمر الاقتصادي في المنامة، بل وكانت وتيرة الرفض والمطالبة الفلسطينية للدول العربية والغربية بعدم المشاركة مرتفعة وحادة، مما ارخى جوا من الارتياح الفلسطيني الشعبي الذي ينظر بعين القلق إلى ما ستؤول اليه الأوضاع والتطورات المتسارعة،
تجلى ذلك في وحدة في الرفض اللفظي لهذه الصفقة والمؤتمرات التآمرية على الشعب الفلسطيني، باعتبار الخطوط الحمر الوطنية والثوابت الوطنية واضحة المعالم للكل الفلسطيني دون استثناء.، وعليه فإن للشعب
الفلسطيني اليوم وبعد ١٢ عاما مرت على الانقسام المدمر، حقا مشروعا وفي ظل هذا التوافق الفلسطيني على مواجهة صفقة القرن ومخرجاتها للتساؤل حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء استمرار الانقسام في هذه اللحظات العصيبة من عمر النضال الوطني الفلسطيني، ولماذا لا تنجز الوحدة الوطنية الفلسطينية على اساس الحد الأدنى من الشراكة الوطنية الفلسطينية، بل هل يمكن لطرف او حزب او فصيل بعينه افشال الصفقة المريكية الاسرائيلية؟ اليست هذه مسألة وطنية تعني الكل الفلسطيني وواجبنا جميعا ان نتشارك ونتعاون جنبا الى جنب من اجل افشالها واسقاطها؟ السنا مطالبين بتقدم النموذج امام العالم، وتعرية مواقف اولئك الذين ينتظرون خطأ فلسطينيا بسيطا لتبرير تبعيتهم وتواطئهم امام المشروع الامريكي الاسرائيلي؟؟
لا شك أن الإجماع الوطني الفلسطيني الرافض لصفقة القرن والدعوات لمقاطعة الورشة الاقتصادية في المنامة التي يحاول من خلالها جيراد كوشنير التسويق لنفسه على أنه عبقري السياسة الشرق اوسطية من المدخل الفلسطيني، هي خطوة جيدة في الإتجاه الصحيح ودرجة أولى على سلم الأولويات النضالية الفلسطينية، إلا أن الرفض اللفظي لا يستطيع ومهما علت نبرته من افشال مخطط تصفية القضية الفلسطينية. وعليه فإن التحدي القادم على القيادة الفلسطينية يتمثل بقدرتها على بلورة استراتيحية ما بعد المنامة، والخيارات العملية الميدانية التي يجب اتخاذها لدفن تلك المؤامرات قولا وعملا!!
ان معيارية السياسة الفلسطينية التي من شأنها ان تشكل خارطة طريق العمل الفلسطيني الموحد تكمن في مدى الإجماع الفلسطيني على التقدم خطوات عملية نحو قرارات الإجماع الوطني الفلسطيني التي صدرت عن المؤسسات الشرعية للشعب الفلسطيني والمتمثلة بقرارات المجلسين الوطني والمركزي الفلسطيني وما نتج عنهما وهي قرارات يمكن ان تشكل عناوين لاستراتيجية نضالية وطنية بديلة عن سياسية المفاوضات العبثية التي انتجها اتفاق أوسلو وما ترتب عليه من اثمان باهظة دفعها الشعب الفلسطيني من أرضه وحقوقه الوطنية، والتي تبدأ بإعلان نهاية اتفاق أوسلو او ما تبقى منه، وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي ووقف كافة أشكال التنسيق الأمني والاقتصادي مع الاحتلال والتنصل من بروتوكول باريس الاقتصادي وإنجاز الوحدة بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تقوم على اساس التمثيل النسبي الكامل وإنجاز الانتخابات الرئاسية، تشريعية ومجلس وطني وإعادة ترتيب مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ووقف سياسة التفرد والهيمنة داخل المنظمة لتكون البيت الفلسطيني الجامع وممثلا شرعياً وحيدا للكل الفلسطيني مما يشكل حاضنة للجماهير الفلسطينية تحت برنامج وطني واحد يصعد ويطور الحراك الجماهيري الفلسطيني ليرتقي لانتفاضة فلسطينية ثالثة تفرض على الاحتلال موازين قوى جديدة، وتصعيد الاشتباك السياسي في الأمم المتحدة
ان مرحلة ما بعد المنامة تعتبر مرحلة حاسمة على درب المواجهة الحقيقية لجميع محاولات الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة المصانة بقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على حدود 4 من حزيران من العام ١٩٦٧ بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وفقا للقرار الأممي ١٩٤. فالتاريخ الثوري للشعوب الثائرة تكتب فصوله في الميدان وفي أرض المواجهة، وكل ما عدا ذلك سيبقى شعرا يتغنى به من على منابر الخطابة الرثة..
بقلم/ جهاد سليمان