الذكريات شيءٌ فوقَ الإرادة، فوقَ القلبَ وفوق المَشّاعر، لهذا هيَ لا تُنسى فكل شيء يتجمد في الشتاء إلا العطر والحَنِين والذكريات والأمجاد الخالدة وبعض الأمنيات.
يقول أبو السباع، الذكريات الجميلة التي عشناها مع الرياضيين قد تثير فينا الشجن، والحزن، قد تعود بنا إلى الماضي الذي نرفض نسيانه، أو الذي نريد نسيانه، ولكن ألا يكفي تذكرنا لها أنها مازالت باقية فينا، وأن أصحابها ما زالوا معنا في قلوبنا وأرواحنا ولن ننساهم، فأسمائهم مسطرة في دفتر خواطري الزاخرة بأسماء ورموز ومشاعل أثرت الوطن والرياضة الفلسطينية في السنوات العجاف.
ويتابع فاكهة الملاعب الرياضية إسماعيل المصري حديثه المرهف والممزوج بالمرارة على فراق الأحبة والبعد عن رفاق الدرب والمسيرة الطويلة والشاقة الذين اقتسم معهم كسرة الخبز وكوب الماء في محطات لا يمكن أن توصف، يقف أمام ذلك الطريق وذلك الدرب الذي شهد تاريخ ذكريات عظيمة في عمقها وبعدها الإنساني والرياضي فيقول لم أجد إلا أطلال زائله ومتهالكة وبقايا عمر رحلت نحو المجهول وذكريات باليه لن تعود وأحلام ضائعة بين الأيام والشهور.
ويضيف لم أكن أتوقع بعد أن مرت عقود طويلة وابيض شعر الرأس وتهالك الجسم وتعثرت الصحة وصرت وحيدا بلا أخ أو رفيق من الأحبة والأصدقاء الذين غمروني بحب صافي أنني سوف أعود إلى حيث الأطلال والأيام والزمن الجميل لأعانق الذين اكتويت بنار فراقهم في لحظة ومحطة فارقة.
يقول أبو السباع الحكاية زراعة مفصل لركبتي اليمنى، الجميع نصح بالسفر للخارج لأمور وأسباب عديدة وخوف على سلامتي وصحتي والعودة لساحة العطاء، لكنني كان في داخلي كان قرار وإصرار على إجراء العملية الجراحية بالضفة الفلسطينية، لم أفضي لأحد بذلك.
يتابع الحديث مكثت شهور طويلة وأيام عديدة وأنا أحاول الحصول على تحويلة إلى الضفة الفلسطينية ، بعد جهود مضنية نجحت في تحقيق ذلك ، ومجرد الموافقة بدأت أعد الأيام والساعات والدقائق والثواني للسفر للضفة، وبدأت الأحلام الوردية تعود، جلست كي أبحث عن أجندتي التي سجلت فيها عناوين وأرقام أحبتي وإخوتي ، لكن لأسف يبدوا أن الحروب والنكبات التي عشناها في ربوع مدينتنا المثابرة الصامدة غزة العزة ، وكبر السن أفقدنا الاهتداء إلى دفتر خواطري وسجل أحبتي، ويضيف لم أقطع الرجاء وكنت على ثقة مجرد الوصول ونشر خبر سفري ستتوافد جموع الأصدقاء ورفاق الدرب ممن عشقتهم وهذا ما حصل.
جاءت ساعة السفر، جاء الفرج وانجلى ليل دامس وحصلت على التحويلة وغادرت القطاع وكلى لهفة وشوق وحنين للقاء الأحبة وبعد رحلة طويلة جدا وصلت إلى مجمع رام الله الطبي فوجدت إخوتي سمير أبو جندي وسعدي سنونو في استقبالي فبكيت طويلا وقبلت الأرض حمدا وشكرا لله وانهمرت دموعي بلا توقف، وقام الإخوان بترتيب كافة إجراءات الدخول وجلسنا نتحدث طويلا وبدأت أستعيد ذكريات جميلة، وما أسعدني وأراح بالي الاستقبال والاحترام من قبل العاملين في إدارة المجمع الطبي والخدمة المميزة والخاصة.
ويواصل حديثة الشيق أبو السباع دخلت للحجرة المحجوزة لي ومعي ابنتي المرافقة واقتربت من سرير فاتكأت على وسادتي لعلي أستعيد بعضاً من عافيتي فداهمتني ذكرياتي أرهقتني ألمتني بشدة حتى أبكتني مزقت قلبي فمزقت دفتر ذكرياتي، تناثرت أوراقه بكل مكان في غرفتي فإذ بي أسمع صوتا خافتا صوتا عزيز وغالي على قلبي يخاطبني وإذا بموسى الطوباسي وخليل بطاح ، بدر مكي ، وسمير غيث وعماد الزعتري، ولم تتوقف النداءات والأصوات تباعا محمود جراد ،جمال عديلة، جمعة عطية د. محمد عودة ، مأمون قاسم ، عايش الكركي ، إبراهيم نجم ، خالد أبو ميالة ، ناجي عودة ، د. عبد الخواجا ، جودة مسودة ، مجدي أبو ربيع ، هشام شحادة ، سلمان العباسي ، أيمن وناهض وحسن صندوقة ، فتوح السكافي ، عصام الشريف ، ماهر مفارجه ، ناصر مطر ، وأسماء كثيرة ، يقول أبو السباع فقدت القدرة على تحديد الأصوات والأشخاص ، في زحمة الحب الخالد لم أستطيع ولم أكن أفكر للحظة بعد هذا العمر أنني سأعود وألتقي أحبتي ، مشاعر وأحاسيس لا يمكن أن توصف ، ويضيف كانت ذكرياتي محطمة تقف على حدود الماضي لتمنعني حتى من استرجاع الفرحة التي كانت لي هي البلسم الشافي وهي كل شيء كنت أطمح أن تكون هي الحاضر وهي المستقبل كنت أطمح أن تبقى مستمرة معنا تساعدنا على إكمال رحلتنا تمدنا بالأمل تمنحنا الثقة بأنفسنا وبمن حولنا ، ذكريات كانت أشبه بضوء الشمس الذي يجلي ظلمة الليل كانت هي أجمل أيام العمر عشناها بفرحة حتى ولو مضى فيها أيام حزينة لكن طعم الفرح فيها غلب كل شيء لكنه لم يستطع أن يغلب مرارة هذه الأيام
ويواصل حديثه واسترساله المليء بالمشاعر الجياشة ويقول طعم الفرح الذي ذقناه لم ينسنا شيء من طعم الحزن الذي نزوقه بل هذا الفرح، ولقاء الإخوة والأحبة عوضني عن كل ما قسيته في وحدتي وغربتي وألمي وحزني على مدار العقود الغابرة.
اليوم الفرحة تكبر والأمل يعانق السحاب وأبو السباع لم يصدق الأحداث وما يحدث لا يمكن أن يوصف بالشيء الطبيعي، ويقول فاكهة الملاعب هذه كرامات ربانية لحسن الختام.
سيل الأبناء والتلاميذ الذين نهلوا من معين أبو السباع والعميد والرياضة الفلسطينية من الأبطال المحترفين بفرق أندية المحافظات الشمالية يجتاح مجمع رام الله الطبي "إبراهيم وعبد السلام السويركي، أحمد كشكش، باسل الأشقر، إياد أبو عرقة، عبد الحميد حبيب، همام أبو حسنين، إبراهيم حبيب، يحي السباخي، جلال أبو يوسف، أمجد شقير، موسى أبو جزر، محمود أبو سردانة.
يتوقف أبو السباع ويطلب مني العودة بعد غدا وبعد اجراء العملية ليتابع الحديث الشيق عن رحلة السفر للمحافظات الشمالية.
رحلة يبدو أنها خلدت وأشاعت في قلب أبو السباع ضياء أيام العمر الباقية، بكل تأكيد ستكون هذه المحطة لوحة سرمدية لن تغيب أبدا عن مخيلة القابع على سرير الشفاء بمجمع رام الله الطبي أبو السباع، الذي كان يمثل أيقونة الكرة الفلسطينية للجماهير في بساتين وملاعب الضفة الفلسطينية والقطاع الصامد.
يتبع
بقلم/ أسامة فلفل