محاولات طمس هويتنا الفلسطينية , والخطر الداهم الذي يداهم قضيتنا الوطنية والسعي نحو إنهاء القضية وتذويب الشعب الفلسطيني وإنهاء كيانيته السياسية , لم تعد خافية على أحد , بل لم تكن بهذا الوضوح في أي وقت مضى , وسط تآمر قوى الإستعمار الغربي وخذلان الأنظمة العربية , نقف وحدنا نحن الشعب الفلسطيني في مواجهة رياح الإقتلاع الصهيوأمريكية , نقف وحدنا بلا سند حقيقي يعيننا على مواجهة الهجمة العدوانية , تزداد الطعنات الغادرة من كل إتجاه ضد شعبنا وقضيته , عبر الهرولة المجنونة نحو " إسرائيل " لنيل الرضا والقبول , فغدا التطبيع مع سارقي فلسطين ومغتصبي قدسها حنكة سياسية من أغرار العرب , وعُقدت أحلاف سرية وعلنية مع شذاذ الآفاق من أجل شرق أوسط جديد , يكون فيه نتانياهو نديم القصور العربية وسامرها في ليالي الصقيع والضياع العربي, يخطط لها معاركها الوهمية ويصنع لها العدو الذي يجب أن تخافه وتصرف أموالها لذرء خطره المفترض .
وحدنا نواجه أوجاع الوطن, وحدنا نتلقى السهام المسمومة , وحدنا نبكي الشهداء وحدنا نحزن على تدنيس الأقصى بأقدام رعاع المستوطنين , وحدنا نقاوم بضلوعنا بفلذات أكبادنا ولا نساوم ولا نبيع فلسطين مهجة القلب ووطن الأنبياء والأولياء والصالحين والشهداء , وحدنا أمام غول الإستيطان ومعاول التهويد التي تنخر في كل زاوية من القدس وأقصاها فوق الأرض وتحت الأرض , وحدنا تنتزع أنياب جرفات الإحتلال من سويداء قلوبنا أشجار الزيتون , وحدنا وقد تخلي الجميع عنا غصبا أو طوعا , وحدنا فلماذا نعيش الفرقة والإنقسام ؟ لقد إنكشف الغطاء عن أوهام التسوية وبان السراب القاتل في صحراء المبادرات السياسية , فلماذا هذا التيه وإلى متى ؟ أما آن لنا أن نعود إلى فلسطين وهي القادرة على أن تعيدنا إلى وحدتنا الأصيلة التي جبلنا عليها بطين التاريخ والجغرافية , هنا فلسطين سيدة الأرض هنا الأم التي تحتضن صغارها وإن غزاهم الشيب تصحح لهم مسارات الطيش وتعيدهم إلى الرشد الوطني , وتقبل منهم كل عائد إلى بيت عزتها وديوان كرامتها وتهيم فرحاً بكل صناديدها الأحرار الثائرين غيرة على شرفها , هي فلسطين خيمتنا من يقلع أوتادها عميل للزوابع , هي فلسطين شجرتنا من يقتلعها مجرم وحاقد , ندافع عنها بأغلى ما نملك ونجود بالروح وبالدم حتى نصون حماها .
وكما معلوم أن الإعلام سلاح مهم في معركتنا ضد الإحتلال , وأداة مقاومة فاعلة ومؤثرة للدفاع عن حقوقنا الوطنية , وحشد الأنصار والمساندين والداعمين لعدالة قضيتنا , كما يمثل الإعلام كتيبة تعبئة وطنية تحفظ الحالة الوطنية من إختراق الطابور الخامس وأدوات العدو الإعلامية والمخابراتية التي تسعى لزرع الوهن وروح الهزيمة في النفوس , ومن أوجب الواجبات الوطنية , هي أن يكون الإعلام الفلسطيني وطنيا وحدوياً يبتعد عن كل ما يفسد وحدتنا أو يزيد من شرخ الإنقسام الآثم , وخاصة ونحن نواجه صفقة القرن الأمريكية التي تستهدف جوهر القضية وتسعى لطمس معالم الهوية الوطنية للأرض والإنسان في فلسطين.
وهنا نورد بعض المحددات التي يجب أن تلتزم بها وسائل الإعلام الفلسطينية المتنوعة نحو إنطلاقة واعدة لإعلام فلسطيني وطني في مواجهة المؤامرة والعدوان ضد شعبنا وقضيته .
أولاً:- أن نحافظ على الخطاب الوطني الثوري الذي يعيد الإعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وإستقلال , من خلال هذا الخطاب نستعيد الأبجدية الفلسطينية والخارطة الوطنية فتعود فلسطين ملك لشعبها ولا تقبل القسمة مع عصابات الإحتلال المارقة .
ثانياً : - أن يسود الخطاب الوحدوي الذي يجرم لغة الفرقة والإنقسام ويعزز روح الوحدة والتآلف والتعاضد فغير مقبول أن نسمع في برامجنا الإعلامية على مختلف الوسائل الإعلامية أي مادة تحريضية موجهة للداخل الفلسطيني وعدم نشر التصريحات السياسية التي تنخر في جسد وحدتنا الوطنية , وبذلك نشكل حصانة إعلامية ضد كل دعاوي الفرقة والتشتت والإنقسام .
ثالثاً: - أن يحافظ إعلامنا الفلسطيني على جبهتنا الداخلية من إختراق الإعلام الصهيوني المعادي , فلا يمرر أي خبر أو معلومة مصدرها صحافة العدو التي تدار عبر أروقة المخابرات الصهيونية وأن يسعى إلى توصيف الأعداء لشعبنا وقضيتنا بلا مواربة وأن يشير لهم بالبنان كاشفاً مؤامراتهم وعدوانهم على شعبنا وقضيتنا وفي مقدمة هؤلاء الأعداء الإدارة الأمريكية .
رابعاً : أن يساهم إعلامنا الوطني الفلسطيني في حالة الحشد العربي والإسلامي وتعبئة جماهير الأمة وأحرار العالم وكشف جرائم الإحتلال ومخططاته العدوانية وتوظيف هذه الجهود في زيادة الدعم والإسناد العربي والإسلامي والعالمي لقضيتنا العادلة .
وهنا الكثير مما يمكن إضافته من محددات وضوابط تقودنا نحو حالة إعلامية وحدوية , تصوغ لنا إصطفاف وطنياً خالصاً حول الحقوق والثوابت الفلسطينية وتقودنا نحو إنجاز وحدتنا السياسية الحقيقية نحو وحدة الهدف الوطني , عبر الإعتصام بمسار الحرية لكامل الوطن الفلسطيني المحتل.
بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
25-3-2019