فلسطين وجنوب افريقيا نضال مشترك واحد

بقلم: فايز رشيد

أن تزور جنوب افريقيا بهدف البحث في تراث العملاق نيلسون مانديلا، ونضال شعب جنوب افريقيا تحت قيادته والمؤتمر الوطني الافريقي، بهدف إيجاد مقاربة بين نضالات جنوب إفريقيا، ونضالات شعبك الفلسطيني، الرازح تحت الاحتلال، الذي يخوض نضالا ضد عدو عنصري من طبيعة نظام الفصل العنصري ذاته في جنوب افريقيا، سيحذو حذو شركائه في النضال الإنساني التحرري في جنوب افريقيا، بهدف الكتابة عن هذه المقاربة في كتاب جديد، خاصة بما يتضمنه من معلومات لم تُنشر سابقا في أي كتاب، يعني أن شعبك الفلسطيني مملوء بالأمل والتفاؤل في حتمية انتصاره.
في عام 1948 حين تم إعلان دولة إسرائيل، بمساعدة المشروع الاستعماري آنذاك، واحتلالها فلسطين وطرد الفلسطينيين من أرضهم، للأهداف المعروفة للجميع. في السنة نفسها تم تشريع الفصل العنصري في جنوب افريقيا، كان صاحب هذا المشروع هو هنريك فرهود، صديق جابوتنسكي وديفيد بن غوريون، وكان من الذين أقنعوا الدول الاستعمارية، بإمداد كافة المنظمات الإرهابية الصهيونية بالسلاح لاقتراف المذابح ضد الفلسطينيين، لطردهم من وطنهم. أيضا هو صاحب مبدأ استعمال القوة العنيفة مع السود في جنوب افريقيا، والتعامل معهم كـ»حيوانات» لخدمة الرجل الأبيض. فرهود قال عن الصهيونية «بأنها الحركة الأكثر إنسانية التي أوجدتها البشرية، وأنها أكثر الحركات واقعية في التاريخ، وأنها الحركة المؤهلة لقيادة البشرية والعالم أجمع».
كشعب فلسطيني نحن نعتز بالتضامن المشترك بيننا وبين شعب جنوب إفريقيا، واعتبرنا هزيمة نظام الفصل العنصري فيها، هزيمة للصهيونية وانتصارا لنضالات شعبنا، ولقضية التحرر والسلام والعدالة في العالم أجمع، وانتصارا لكل الشعوب المكافحة. من أجل حريتها وكرامتها واستقلالها. نعم نحن نعتبر لجنة مقاطعة إسرائيل في جنوب إفريقيا (بي. دي. إس) هي أقوى لجنة عالمية لنصرة شعبنا الفلسطيني. ومشهورة أقوال الرئيس مانديلا في نصرة قضيتنا، خاصة قوله «ستبقى حرية جنوب افريقيا منقوصة، ما لم تتحرر فلسطين». كذلك نصيحته للرئيس الراحل ياسر عرفات أثناء لقائه به في جوهانسبرغ «كان عليك مفاوضة الإسرائيليين دفعة واحدة وعلى كل الحقوق». ومعروف موقفه الشهير أثناء استقبال بيل كلينتون له (بعد تحرير مانديلا من السجن، وقبل تسلمه للرئاسة)، طلب كلينتون من مانديلا وقف الكفاح المسلح، الذي كان يخوضه حزب المؤتمر الوطني الافريقي.. أجاب مانديلا: «سنستمر بالكفاح المسلح حتى الهزيمة النهائية لنظام الفصل العنصري، احتفظ بنصيحتك لنفسك مع شكري لك».
بين رحلتين إلى جنوب إفريقيا الأولى في عام 2009، والثانية الحالية، لمست فرقا شاسعا في نشاطات لجنة المقاطعة الجنوب إفريقية لإسرائيل، بالمعنى السلبي، ما يدلل على النشاط الصهيوني المحموم في جنوب إفريقيا لتفكيك هذه اللجنة، والتخلص من نشاطاتها المزعجة للكيان الصهيوني، إذا جرّ اختراع مشاكل أثّرت في عملها، في ما مضى مقاطعة إسرائيل تولاها طرفان: الأول القسم المسؤول عن ذلك في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. الثاني لجنة المقاطعة، وهو ما خلق تضاربا بين الطرفين، عنوانه الغيرة والحسد من المسؤول عن المقاطعة في المؤتمر، وهو ما عللته محدّثتاي بهذه المسألة. كان لا بد من تحطيم مسؤول لجنة المقاطعة، فاخترعت له قصة تحرش جنسي، ورفعت عليه دعوة في المحكمة، التي برّأته من التهمة المنسوبة إليه. لكن مثلما يقول المثل: «الرصاصة التي لا تصيب المستهدف تطوشه». على أثر ذلك جرى انقسام في اللجنة. الأمر الذي أثر على نشاطاتها سلبا تجاه فلسطين. ونتمنى كفلسطينيين حلّ كافة هذه الإشكالات لتعود اللجنة إلى سابق عهدها ونشاطاتها.

شعب جنوب افريقيا، من أكثر الشعوب التي عانت من العنصرية في التاريخ المعاصر وممن ذاقوا ويلاتها ونحن نعاني منها منذ عقود، ولذلك يكون التضامن مع شعبنا ذا طعم آخر عندما يأتي من أولئك الذين عاشوا ظروفاً مشابهة في بلدهم، وانتصروا في معركتهم الوطنية، وقذفوا بالنظام العنصري إلى مزابل التاريخ. ذلك الانتصار هو قدوة لشعبنا الفلسطيني، الذي يكافح منذ قرن زمني تقريباً ضد العنصريين الإسرائيليين، ووفقاً لحتمية التاريخ سيقذف أيضاً أعداءه الصهاينة إلى مزابل التاريخ أيضا. من بين أشد المناضلين لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا ومن أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا الوطنية، المناضل الجنوب افريقي روني كاسريلز، وهو بالمناسبة من أصل أوروبي ويهودي الديانة، اعتقل إبّان حكم الأبارتايد هو وزوجته، واضطر للتخفي بعد إطلاق سراحهما، وإلى مغادرة جنوب افريقيا تهريباً، بقرار من الحزب الشيوعي المنتمي إليه هو وزوجته. كاسريلز شغل منصب وزير في حكومة جنوب افريقيا السابقة إبّان حكم الرئيس تامبومبيكي، وهو كاتب معروف ليس على صعيد بلده، وإنما على صعيد أشمل وأعّم أيضا. زار قطاع غزة عندما كان وزيرا تضامنا مع أهل القطاع، ورفض دعوة رسمية لزيارة إسرائيل علنا في تصريح صحافي له من غزة.
أصدر العديد من الكتب التي تؤرخ لويلات نظام الفصل العنصري، وآخرها عن نضالات زوجته والعذابات التي عانتها في المعتقل، والتي توفيت منذ أعوام بمرض السرطان.
لقد تعهد من قبل أكثر من 155 أكاديميا في عموم جنوب افريقيا من أكثر من 13 جامعة في بيان أصدروه ووقعوا عليه، بتقديم دعمهم لمبادرة جامعة جوهانسبرغ الداعية إلى وضع حد للتعاون مع إسرائيل. ومنذئذ امتدت الحملة لتشمل 200 جهة داعمة لهذا الاقتراح، وفي هذه الغضون استقطبت المناشدة الأكاديمية التي عمّت البلاد، والداعية إلى إلغاء اتفاقية تعاون بين جامعة جوهانسبرغ وجامعة بن غوريون الإسرائيلية، لإجراء أبحاث في صحراء النقب، اهتماماً واسع النطاق وبمصادقة أصوات لشخصيات جنوب افريقية معروفة، ما اضطر الناشطين إلى إصدار بيان جديد قالوا فيه: «إننا نقر كأكاديميين بأن تجري كافة نشاطاتنا الفكرية في سياقات اجتماعية أضخم، وعلى نحو خاص في مؤسسات ملتزمة بالتحول الاجتماعي، وندعو كافة المؤسسات الجنوب افريقية إلى إعادة النظر في العلاقات التي كانت قد تشكلت في ظل حقبة الأبارتايد مع المؤسسات الأخرى التي غضت الطرف عن القمع العنصري في اسرائيل، باعتبار هذا النشاط – ثقافياً صرفاً – أو عملاً علمياً، وأوضح الناشطون، أن الجامعات الإسرائيلية ليست مستهدفة بالمقاطعة بسبب هويتها الإثنية أو الدينية، وإنما لتواطئها مع النظام الإسرائيلي القائم على الفصل العنصري. ولقد أيدت جامعة بن غوريون كافة النشاطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ونحن نمتلك الأدلة على ذلك. باختصار لا نريد لإشكالات لجنة المقاطعة التأثير على هذه الفعاليات.

  فايز رشيد

كاتب فلسطيني