انتهت حفلة المنامة دون أن يصدر عنها بياناً يجمل ما تفتقت عنه قريحة الصبيين، حضر البعض وغاب الآخر في ظل اجماع فلسطيني على رفضها جملة وتفصيلاً، والملفت ايضاً غياب الاعلام عنها فلم ينقل لنا شيئاً مما دار فيها، فهل خشي المنظمون أن يكشف الاعلام دونية المؤتمر وأن تلتقط الكاميرات الفشل الفاضح عملاً بالقول "إذا بليتم فإستتروا"؟، أم أنها رغبة في الابقاء على الحمل الكاذب التي تبشر به إدارة ترامب والذي تسعى لأن يكون ممراً يسلكه العرب نحو التطبيع مع اسرائيل؟، الحقيقة أن حفلة المنامة لم تكن الحلقة الأولى في مسلسل الوهم الذي اعد غرينبلات السيناريو له فيما يقوم كوشنر بدور البطولة المطلقة فيه، فقد سبق لإدارة ترامب أن إعترفت بالقدس عاصمة لدولة الأحتلال وقامت بنقل سفارتها اليها وأغلقت قنصليتها في القدس الشرقية وأغلقت في الوقت ذاته مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأوقفت مساعداتها للسلطة الفلسطينية وتشن حرباً ممنهجة على الأونروا، ومؤكد أيضاً أن مؤتمر المنامة لن يكون الحلقة الأخيرة.
الرفض الفلسطيني لصفقة القرن قبل أن تكشف الادارة الامريكية اللثام عنها جاء من منطق أن المقدمة تفصح عن الموضوع، وما قامت به ادارة ترامب يمثل قفزاً عن الاجماع الدولي المتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي المبني على حل الدولتين، ويقتلع السلام من جذوره ولن يؤسس إلا لمزيد من العنف في المنطقة، والرفض الفلسطيني لمؤتمر المنامة يأتي من منطق أن قضية فلسطين سياسية ولا يمكن القبول بأن تتحول إلى قضية انسانية يتم علاج تداعياتها اقتصادياً، ولا يمكن ايضاً لفلسطين أن تفتح بوابة التطبيع العربي مع اسرائيل عبر انخراطها في مشاريع اقتصادية الهدف منها بالمقام الأول خدمة الاحتلال في التنصل من مسؤوليته عن معاناة الشعب الفلسطيني، وبعيداً عن ضجيج الكلام والشعارات علينا أن نفكر ملياً كيف يمكن لنا أن نواجه ما يحاك للقضية الفلسطينية، فلا يمكن لنا أن نكتفي بالرفض دون أن يكون هنالك فعل فلسطيني نستطيع به أن نفرض حضورنا وإرادتنا على مستقبل الصراع في المنطقة.
هناك حقائق مسلمة أولها أنه لا يمكن لكائن من كان أن يفرض علينا القبول بما نرفضه، ولن تجد ادارة ترامب ومعها حكومة الاحتلال من بين الشعب الفلسطيني من يقبل بإعادة انتاج روابط القرى، وثانياً أن الرفض الفلسطيني لمؤتمر المنامة كبح عربة صفقة القرن لكنه لم يوقفها، وثالثاً أن موقف الدول العربية فيه من التصدع ما لا يمكن أن تخفيه مقولتهم بأنهم لن يقبلوا بما يرفضه الفلسطينيون، وأن الادارة الأمريكية استطاعت أن تجعل من التهديد الايراني هاجساً تدفع به الدول العربية للسير في ركب ما تخطط له، ورابعاً لا بد أن ندرك حجم الضعف الذي اصابنا من جراء الانقسام وأنه بات يهدد بشكل جدي مستقبل القضية الفلسطينية، وأنه لا قبل لنا متفرقين في مواجهة ما يحاك لنا، تخطيء حركة حماس إن إعتقدت أن اضعاف السلطة الفلسطينية فيه مصلحة لها وإن فعلت ذلك ستعض أصابع الندم حين لا ينفع الندم، وتخطيء حركة فتح إن إعتقدت أن باستطاعتها التصدي لصفقة القرن في ظل الانقسام، ونخطيء جميعاً إن إعتقدنا بأنه يمكن لنا أن نخلق موقفاً عربياً موحداً في ظل خلافاتنا.
إدارة ترامب شرعت منذ عدة شهور في تنفيذ صفقة القرن، ومؤتمر البحرين له ما بعده بغض النظر عن شكله الهزيل ومضمونه المرفوض، وستعمل الادراة الأمريكية ومن لف لفيفها على معالجة بعض القضايا الانسانية بشكل جزئي عبر مشاريع تحيل الاشراف عليها لمؤسسات دولية، وقد يمتد تأخير الشق السياسي المتعلق بصفقة القرن إلى ما لا نهاية، فما الذي يمكن لنا أن نفعله؟، وهل يمكن لنا الاستناد فقط على رفضنا اللفظي لصفقة القرن ومدخلاتها؟، إن التهديد الذي تتعرض له القضية الفلسطينية يحتم علينا طي صفحة الانقسام فوراً ودون مماطلة أو تسويف من هذا الطرف أو ذاك ودون الاصطفاف حول صغائر الأمور والمصالح الحزبية الضيقة، والمطالبة بإجراء انتخابات في هذه المرحلة الحرجة على أنها الملاذ لتحقيق المصالحة الوطنية هي ذر للرماد في العيون، وأن نمضي سريعاً نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية والتوافق حول برنامج وطني واضح لمواجهة التحديات التي تعصف بالمشروع الوطني، وتفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم دعوة القيادة الفلسطينية لقمة عربية عاجلة لتبني موقف عربي موحد قائم على أن حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يبدأ من بوابة الحل السياسي العادل المبني على المبادرة العربية ومقررات الشرعية الدولية ورفض كل اشكال الالتفاف حول ذلك، إن المحطة التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية تتطلب منا مواقف وقرارات وخطوات تتناسب مع حجم التحديات، وبإستطاعتنا أن نفعل الكثير، ولن يرحم التاريخ أحداً منا إن بقينا نراوح مكاننا ونتخندق في مصالحنا الحزبية الضيقة ونصدح بالكثير من الكلام والقليل من الأفعال.
د اسامه الفرا