الشهيد الحي، لقب نطلقه على وصل الى لحظاتٍ قريبةٍ جداً من الإستشهاد في مسارات الثورة والمقاومة، ومفاصل عملها، ومحطاتها الصعبة، منذ انطلاقتها.
العشرات، إن لم نقل بضع مئات، من هؤلاء المناضلين، من الشبان والشابات، ومن الرجال، كانوا مشاريع شهداء، فاقتربوا، وكادوا ان يلامسوا لحظات الإستشهاد، لكن ارادة الله، انقذتهم، فبقوا أحياء يرزقون، حاملين معهم اصاباتهم، كأوسمة تَبِزُّ أي وسامٍ أخر.
الشهداء الأحياء، ومنهم عدد كبير من الأسرى المحررين، أو ممن مازال في زنازين الإحتلال، علامات فارقة في العمل الوطني الفلسطيني. فغالبيتهم مازال رغم اصابة كل واحد منهم، يمتشق ناصية الإلتزام بالعمل الوطني، والمجال لايتسع هنا لإيراد اسمائهم، من أبناء مخيم اليرموك على الأقل. لكنني استطيع أن أورد اسماء البعض ممن يتواجد يومياً على ابواب ومداخل مخيم اليرموك، ومنهم الفدائي في سلاح المدفعية جنوب لبنان، والأسير المحرر وليد عتابا، من صفورية قضاء الناصرة، الذي قضى في سجن أنصار اثناء الغزو الصهيوني للبنان صيف العام 1982، وخرج بعملية التبادل. ومنهم ايضاً الجريح ابراهيم عويس ابن طيرة حيفا الذي اصيب بقدمة وبترت ساقه أثناء معارك تطهير منطقة الفنادق ووسط بيروت من القناصين من قوى اليمين الفاشي الإنعزالي اللبناني، والذي اصيب ايضاً في مخيم اليرموك اثناء محنته عندما سقطت قذيفة هاون بالقرب من مكان تواجده.
أما ابو النور الحيفاوي، الذي اصيب في معارك ايلول/سبتمبر 1970 في الأردن، فيحتاج من حينٍ لأخر لــ "شد براغي" الأطراف الصناعية التي تساعده على المشي. فعندما تبدأ الــ "الزقزقة" يقوم فوراً بشد البراغي.
أما أبو الجاسم (محمد القواريط)، فكان مقرراً على الفور دفنه في مقابر الشهداء عند اصابته أثناء محنة 1970 في الأردن، ليتبن بأنه مازال حياً، وقد اطال الله بعمره، ومازال حياً الى الآن رغم اصاباته المتعددة. كذلك الحال مع الشهيد أبو الأمين الذي اصيب عشرات المرات، لكنه توفي وفاة طبيعية بعد عمرٍ طويل، في الوقت الذي بقي فيه حتى اللحظة الأخيرة ملتزماً بعمله الوطني.
أكثر من خمسين حالة موجودة في مخيم اليرموك، من الشهداء الأحياء، الذي تمت احالتهم لجمعية أسر شهداء ومجاهدي فلسطين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث يتلقون استحقاقاتهم المالية. لكن البعض منهم لم يتلقى استحقاقه على الإطلاق نتيجة تقصير التنظيمات والفصائل التي ينتمون اليها. ومنهم الأخ وليد عتابا، الرجل الشهم، المندفع وطنياً، والذي قدم شبابه في صفوف المقاومة على الجبهات الساخنة جنوب لبنان ابان تلك المرحلة من العمل الوطني الفلسطيني، ومنهم أيضاً (أبو عوض غبن)
وخلاصة القول، لابد من انصاف هؤلاء الناس، خاصة الذين قصرت فصائلهم تجاههم، وكان ومازال لزاماً عليها، انصافهم، اسوة بالجميع.
(الصورة الأولى : رسالة وليد عتابا من سجن أنصار بواسطة الصليب الأحمر الدولي وكتاب المنظمة. الصورة الثانية الجريح ابراهيم عويس)
بقلم/ علي بدوان