النظام العربي والمستقبل المظلم

بقلم: محمود الدبعي

لا أقول أن النظام العربي اليوم يمر بمنعطف خطير ، لكنني أقول أنه غارق في سراب الحلول السلمية و واقع الازمات السياسية التي تعصف بوحدة الأمة ، فلا احتجاج ولا انتقاد يؤثر على واقعنا المعاش، حين يذبح الإنسان في داخله ولا يهمه ولا يؤلمه سلخ أحد أطرافه.
كل إنسان في داخله " حرية" و الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتهم احرارا"، و يثور الإنسان العربي اليوم لإنه فاقد لحريته وإنسانيته. و الحراك الشعبي الذي نراقبه عن بعد، هو نتاج للإرادة المسلوبة ولا أدري كيف أصبحنا نتقن فن التمثيل والشعور بالصدمة ونحن نؤيد او ننتقد الحراك في هذا القطر او ذلك، وكأننا لانعرف مستقبلنا .

المجتمع العربي كله ملغي من دفاتر الحرية، ومتغير عن بقية المجتمعات السوية.. تغير دائم للأسوأ .. وهو مغيب ويقاد كالاعمى في طريق مليئ بالاشواك ولايملك لنفسه حرية ولاقرار .. ولايستطيع أن يقول لشيء " لا " إلا إذا كانت من جنس " اللاءات " التي تصطدم بالجدار وتعود على صاحبها ولاتؤثر في أحد .

الإنسان العربي أصبح كالعاطل ولا أعني ذلك الإنسان الذي لم يجد وظيفة ولاعمل ، بل هو الإنسان مسلوب الإرادة والحرية وكل الصفات التي تبقيه آدمياً وكلنا عاطلون ولو بلغ "صوتنا " عنان السماء .. هو عطل لارجاء منه إلا أن يعود الإنسان في داخلنا بشكله الطبيعي الذي خلقه الله.
كل مانراه اليوم ونعيشه هو " المأذون" فقط.. وليس لك أن تتحرك خارج "المأذون ". و المتفائل جداً هو من يقول لدينا " هامش للحرية " .. لاحظوا الطموح بحرية شاملة ليس في الحسبان .. إننا نبحث عن مجرد" هامش " .. لذا سنبقى في الهامش إلى الأبد.

الاعلام العربي يتحدث في كل شيء إلا في حقوق الناس وتحريرهم والمطالبة بإقامة العدل بينهم.. والإعلامي المرتزق هو مجرم أخطر من ألف فاسد، لإنه يشوه الحقيقة ويساهم في تدمير الإنسان بإعراضه عن أساسيات حقوق الناس و كرامتهم والإغراق في سفاسف الأمور وإهمال مايحتاجه الناس . و لا خير فيهم إذا لم يقولوها.. ولا خير فينا إذا لم نسمعها.. لأن الحرية تشتكيهم لرب السماء و دماء الشهداء تتأسف على صمتهم المعيب.

حتى المشايخ الذين اغرقونا بعشرات الكتب والمذكرات والمطويات عن الولاء والبراء و طاعة الحاكم ومثلها في فرعيات الفقه، عن حقوق الراعي والنظام السياسي، اهملوا حقوق الرعية.. اليس هذا عارا علينا كمسلمين؟

المحاضرات والكلمات والندوات التي تبث على الفضائيات تكرس الطاعة العمياء للأنظمة وتغييب شامل لقوامة الأمة وعزة المسلم وكرامته وواجبه تجاه الظلم والفساد والنفاق والإعتراض عليه.

لم نعد نستطيع الدفاع عن مشايخنا ونلتمس لهم الأعذار، حيث ذابت وترهلت أقدامهم من كثرة المشي على بلاط استوديوهات البث المباشر او المسجل، وهي تبرر الظلم و تلتمس للحاكم الأعذار.. ولن تقوى تلك الأقدام الناعمة على المشي مرة آخرى على تلك الأرض القاحلة التي يمشي عليها الناس البسطاء الذين ظلموا ، ويكفي أن يؤلف بعض مشايخنا للناس الذين تقض مضاجعهم العذابات والظلم والإنتهاكات كتاباً يقال لهم فيه" لاتحزنوا "..

لابد أن يعرف الناس أن ماهم فيه من تردي سببه الحقيقي هم " الإنتهازيون و النفعيون " الذين لايألون جهداً في تشتيت الناس بالمسائل الخلافية والفرعيات ويتعامون عن حقوقهم ومايعنى بشؤون حياتهم.

كم عدد العلماء والمشايخ والمفكرين و الأدباء و الأكاديميين و الصحفيين والكتاب الذين قتلوا أو ماتوا تحت التعذيب في السجون و كم عدد المعتقلين منهم ! فماذا فعل أصحابهم المشائخ الطلقاء المتنعمين للشهداء و ماذا فعلوا للمساجين لإخراجهم؟ ماذا صنعوا لنصرتهم والمطالبة برفع الظلم عنهم؟ هل الصمت " ديناً "؟ وهل الدين أن يتفشى الظلم ويرمي بالإنسان في غياهب السجون و يتحدث مشايخنا الاجلاء عن طاعة ولي الأمر ولو كان عبدا حبشيا و جائرا..
و لاتقولوا هذه قضية وتلك قضية آخرى .. لقد قال أعرابي للخليفة الراشد عمر :"لا سمعا ولا طاعة" على متر من القماش و لم يغضب الفاروق ولم يأمر العسكر بسحلة لظلمات السجون. بل تبسم و طلب من ابنه ان يوضح للبدوي حقيقة متر القماش وانتهى الأمر بقول "الان سمعا وطاعة يا عمر"... نعم لا خير فيهم اذا لم يقولوها... ولا خير فينا اذا لم نسمعها..

لو رأينا مجموعة من مشايخنا، نفرت لتلك القضايا وآخرون لتلك ،، لقلنا توزيع للادوار.. وكل مايسر لما خلق له وكل ومايستطيع إنكاره.. لكن الذي يحدث صمت مطبق عن الإنتهاكات والظلم و دفاع مستميت عن الأنظمة و تكفير من يخرج عليهم و يحرمون المظاهرات و المسيرات و أذا سألت عن " المشائخ " ماذا صنعوا لإخوانهم المشائخ لعلهم يفهمون اللغة الشرعية الخاصة بينهم .. أما عامة الناس فلن ينصرهم أحد ولن ينادي بحقوقهم أحد.. الكل قرر أن يكتفي بـ " السلامة " لايعدلها شيء.

هذا جزء من الخيانة .. لأن تغييب الناس عن أولوياتهم حتى أصبحوا لاينكرون على الظالم ولايعتقدون أن هناك مثلب في الإسلام كبير ..! كل إنسان ساهم في تدمير هذه الأولويات لدى أفراد المجتمع هو " مجرم " ينبغي مواجهته وفضحه.. كل أطياف المجتمع فقدت قوتها وخصائصها الإجتماعية وبقيت تتنظر مايقرر لها من الحاكم ، إنها لاتقوى ولن تستطيع أن تدفع الظلم والجور و الإضطهاد إذا كان الخيار بيد غيرها... كل ماتفعله ستصيح والصياح أصبح نغمة معروفة لم تعد تخيف أحد ولاتضر أحد ، وبشخطة قلم يمنع الشخص حتى من الصراخ في داخله.

إنني أقول للأنظمة العربية ، أنتم تخوضون المعركة الخطأ ومع الناس الخطأ!
إذا توقفتم عن الخطابات التخديرية و باشرتم برفع الظلم و احترمتم حريات الناس لربما عادت للمجتمع العربي قوته وإنسانيته وقدرته على رفض مالايريده.. وبعدها سيعلم الحكام أن الطريق الأسهل لإقامة دولة القانون هي " الحرية والعدل بين الناس " وستصبح المراهنة على المجتمع " المواطن " ذات معنى .. ومدلول يقره العقل ويصدقه الواقع..!

المراهنة على اصلاحات ليس لها أي معنى ولاجدوى تزيد من الإحتقان الجماهيري لإن المجتمع ليس له حق الإختيار.. ليس له حق الرفض ولا الموافقة .. حين يفرض عليه شيء سيتم وسيقع رغماً عن كل البرلمانيين الذين يصطفوا قريباً من صانع القرار كديكورات لم يعد لها قيمة...!! أكثر من ذلك سيتم إستخراج نصوص قانونية لتدعيم مايراد حدوثه ولن يقوى أحد على رده أو رفضه ..!

لا نريد من أحد أن يخبرنا بخطر التدخل الأجنبي و صفقة القرن، إذا لم يكن لدى الحاكم إستعداد أن ينزع الخطام من أفواه الناس الذين يقادون كالمواشي لاتدري مايخفي لها القدر!

أسوأ مافي الحكام.. أنهم يعتقدون في الممارسات القمعية بحق الإنسانية، مكتسباً يجب الحفاظ عليه ! إنه الأسلوب الأوحد للحفاظ على النظام و استمراره ....فكرة " التشبث بالحكم" فكرة موروثة .. فيجب إعادة قراءة التأريخ الصحيح وفحص الشخصيات مرة آخرى ..حتى نعي دروس التاريخ ، وكل صنم بنته أقوال الرجال وتوارثه الناس لابد أن يهدم .. ويعطى قدره الطبيعي وتعرض أقواله وأفعاله ومناسبتها لحال الناس وأوضاعهم .. نحارب الظلم كمصطلح ونرضاه كواقع نعيشه.. الدكتاتورية جعلت الناس طبقات ومراحل .. ونحن لنا عقود في الحضيض ، فلم نعد الإنسان المكرم الذي خلقه الله بقينا و صرنا نحلم ... ! نحلم بالتغير .. نريد أن نصبح مع الأيام " بني آدم " مكرمين!

د محمود الدبعي
السويد