■ مع انتقال مقاليد السلطة في البيت الأبيض من الديمقراطي أوباما إلى الجمهوري ترامب، في مطلع العام 2017، طرأت تعديلات مهمة على السياسة الأميركية في العالم، بما فيه الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، اعتبرت إدارة ترامب أن تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ستكون على يد ما أسمته «صفقة القرن»، أخذاً بمسميات غير سياسية، محايدة ظاهراً، تُطلق أحياناً على صراعات استراتيجية كبرى في العالم، على غرار «اللعبة الكبرى» التي أُطلقت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، تسمية للصراع البريطاني – الروسي- العثماني الضاري على الدور والموقع والنفوذ في وسط وغرب آسيا.
■ على امتداد العام 2017، اقتصر كلام الإدارة الأميركية في موضوع «صفقة القرن» على العنوان، دون كشف المضمون، ما جعل مركز القرار في السلطة الفلسطينية، بدافع الترحيب، ينساق وراء استعجال الإعلان عن «الصفقة»، ضمن تقدير ساذج يراهن على انفتاحها على وجهة التسوية المتوازنة، المطلوب بإلحاح التوصل إليها، خاصة، بعد أن توقفت المفاوضات الثنائية مع إسرائيل، بالرعاية الأميركية، في نيسان (إبريل) 2014، دون أن تُثمر عن نتيجة.
■ استمر الوضع على هذا المنوال، إلى أن فجَّر الرئيس الأميركي في 6/12/2017، قنبلة الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، فتوحد الموقف الفلسطيني على رفض «صفقة القرن»، خاصة بعد أن تتابعت مواقف وقرارات للإدارة الأميركية، أتت مطابقة لموقف وأهداف سياسة الحكومة الإسرائيلية، ومن بين أهمها:
1– شطب حق العودة، وفي هذا السياق الدفع نحو إعادة تعريف مكانة اللاجئ، بما يقلص حجم اللاجئين إلى 1% من تعدادهم الحقيقي + إلغاء المساهمة الأميركية في تمويل موازنة وكالة الغوث + التحضير لإلغاء تقويضها الأممي، وتحويل وظائفها إلى الدول المضيفة؛
2- الموافقة على مواصلة الاستيطان، والاعتراف بشرعية مستوطنات الضفة الغربية، تمهيداً لقرار ضم الكتل الرئيسية (وربما غيرها) سيادياً إلى إسرائيل، أسوة بما حصل مع الجولان السوري المحتل؛
3- إدارة الظهر تماماً للتسوية المرتكزة أساساً على إقامة دولة فلسطينية، ناهيك عن ترسيم حدودها على خط
الـ 67؛ الخ..■
■■■
■ مازالت «صفقة القرن» تنتظر – من وجهة نظر واشنطن – انعقاد الشرط المؤاتي لإطلاقها رسمياً بالنص الكامل. غير أن ما تم كشفه أو إعلانه من هذه الخطة، وما سُرِّبَ من عناصرها كافٍ، لإعلان الحرب دون هوادة عليها، حتى لو تأخر إعلانها الرسمي، وصولاً إلى احتمال عدم إعلانها خلال الولاية الرئاسية الحالية لترامب. وهذا أمر لا يجب أن نستثنيه تماماً، باعتبار أن الأهم – من منظور واشنطن – من تقديم نص الاتفاق الذي
– على أية حال - لم تتم صياغته النهائية بعد، هو توفير شروط تقدم المسار نحو بلوغ أهدافه. لذلك، من الأهمية بمكان، في الموضوع الذي يعنينا في هذا الكتاب، أن نسلط الضوء على العناصر الأساس التي ترتكز إليها «صفقة القرن». أهمها – كما تبدّى لنا حتى الآن - ما يلي:
1– تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لا ترتكز إلى قرارات الشرعية الدولية (ناهيك عن تنفيذها)، بل تستند إلى التسليم بوقائع الأرض التي تشكلت خلال نصف قرن من عمر الاحتلال. وبالتالي، ليس المطلوب من العملية التفاوضية أكثر من ترسيم هذه الوقائع، أو أهمها، والانطلاق منها كنموذج يُحتذى به لحل ما تبقى من قضايا لم تجد طريقها للحل بعد؛
2- وعليه، فإن المشروع المطروح في «صفقة القرن» ليس للتفاوض، بل للبحث في آليات تطبيقه، ما يفسح في المجال – بأفضل الحالات بالنسبة للجانب الفلسطيني – لتقليص سلبيات على هوامشه، إنما ليس في الأساسيات.
3- المدخل الرئيسي لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، هو التقدم نحو إنجاز التسوية في مدى الإقليم، والتي لن تقتصر على تطبيع (أو استكمال تطبيع) علاقات إسرائيل مع دول المحيط وما يتعداها جغرافياً، بل التقدم في مجال التعاون الاقتصادي والأمني مع هذا المحيط، في إطار تحالف استراتيجي مديد بقيادة الولايات المتحدة، تتحدد فيه أوجه الصراع والمواجهة، بما يتفق وأولويات واشنطن وتل أبيب، سواءً مع إيران (كما هو مطروح حالياً)، أو سواها لاحقاً، تبعاً لما تمليه المصلحة الأميركية – الإسرائيلية المشتركة.
4- في الحالة الفلسطينية بالتخصيص، يسبق المسار الاقتصادي المسار السياسي( )، ما يستتبع السؤال التالي: كيف يمكن بناء الاقتصاد، ناهيك عن تطويره، قبل البت بالبنية السياسية – القانونية التي ستحمله، أي البنية الكيانية التي تؤطر الأرض والموارد الطبيعية والبشرية التي تنهض عليها أعمدة هذا الاقتصاد؟
والجواب واضح: المسار الاقتصادي الذي تقترحه «صفقة القرن»، سوف يتحدد على أساس من الواقع السياسي القائم حالياً في إطار الحكم الإداري الذاتي، أي تحت سقف الاحتلال والاستعمار الاستيطاني.. وعليه، فإن أقصى ما يقود إليه هذا المسار هو رفع مستوى المعيشة نسبياً للسكان، وتحسين أوضاع البنية التحتية بمرافقها التي تخدم كيان ما دون الدولة المستقلة، والتي لا تندرج في سياق البنية التحتية لدولة ذات سيادة، أي تلك التي تزود الكيان السيادي المستقل ببنى التواصل والتبادل والحركة مع الخارج (الدخول والخروج للمواطنين والرساميل والبضائع والخدمات من خلال المعابر والموانئ السيادية البرية والبحرية والجوية + العملة الوطنية المستقلة + الخ..■
■■■
■ مواجهة «صفقة القرن»، مهمة مطروحة بالأساس على الحركة الوطنية الفلسطينية، لكنها مطروحة أيضاً على الوضع العربي والإقليمي عموماً، كون الـ «صفقة» تستهدف إعادة هيكلة الأوضاع في المنطقة بأسرها، خدمة لأولويات السياسة والمصالح الأميركية – الإسرائيلية، ما يتطلب أن تبلور القوى السياسية والمجتمعية، عربياً وفي الإقليم، استراتيجيات المواجهة في بلدانها، وأعلى درجات التعاون والتنسيق، لا بل العمل المشترك، فيما بينها.
■ على الصعيد الفلسطيني، تستوجب المواجهة الشاملة لـ «صفقة القرن»، العمل على مسارين متداخلين، يغذي التقدم على أحدهما، التقدم على الآخر: استعادة الوحدة الداخلية من جهة، ومن جهة أخرى الخروج من أوسلو واعتماد استراتيجية نضالية بديلة.
هذان العنوانان، وما يندرج تحتهما من قضايا واتجاهات عمل، تتناولهما ستة( ) من أصل تسعة فصول يضمها كتاب في «مواجهة صفقة القرن»، الذي يشي عنوانه: بمضمونه. أما الفصول الثلاثة الأخرى، فيتوقف أولها أمام مناسبة «8 آذار.. يوم المرأة العالمي» بمدلولاته السياسية والنضالية في الحالة الفلسطينية؛ وثانيها أمام نتائج «انتخابات الكنيست الـ 21» باتجاهات التصويت التي كشفتها وما يترتب عليها من تحالفات تؤسس لسياسات؛ وثالثها كناية عن مقاطع واسعة عن الوثيقة البرنامجية: «نحو مقدمات المشروع الوطني الديمقراطي المستقل»، الصادرة عن أعمال المؤتمر الوطني السابع لحزب الشعب الديمقراطي الأردني «حشد».
■■■
هذا الكتاب، وهو الـ 35 من سلسلة «الطريق إلى الاستقلال»، الصادرة عن «المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات» (ملف)، يغطي أهم المحطات في الوضع الفلسطيني بتداعياته الإقليمية، في الفترة ما بين النصف الثاني من العام 2018 وحتى النصف الأول من العام 2019■
ملاحظة: للطلاع على الكتاب وتحميله إلكترونياً
راجع موقع المكتبة الإلكترونية
على العنوان التالي: Dflp-lib.com
بقلم/ زياد جرغون