ما بعد ورشة البحرين.. السيناريوهات المحتملة

بقلم: حسام الدجني

انتهت أعمال ورشة البحرين (الازدهار مقابل السلام)، بينما لم تنته جهود الإدارة الأمريكية في تمرير صفقة القرن، وتنفيذ مخرجات ورشة البحرين الشق الاقتصادي من صفقة القرن، ما يجعلنا نحذر من مرحلة ما بعد الورشة أكثر من الورشة ذاتها، وهذا يدفعنا لطرح بعض التساؤلات التي من شأنها تفكيك وتركيب المشهد من منظور الإدارة الأمريكية وحلفائها، والشعب الفلسطيني وحلفائه.

هل نجحت ورشة البحرين..؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لتطبيق مخرجاتها على الأرض في ظل رفض كافة مكونات شعبنا الفلسطيني..؟ وما هي آليات المواجهة في المرحلة المقبلة…؟

أولاً: ورشة البحرين

من حيث الانعقاد نجحت ورشة البحرين في الانعقاد، وشارك فيها عدد لا يستهان به من الدول، ورجال الأعمال والشركات، وهو ما يعكس مبدأ الهيمنة والتبعية الأمريكية عند البعض، وفي نفس الوقت نجح الفلسطينيون في إضعاف الورشة عبر المقاطعة، وحث الدول والأفراد على عدم الحضور، وفعلاً لم يحضر أعمال الورشة دولاً مهمة في المعادلة منها لبنان.

وما بين انعقاد الورشة وما بعد انعقادها، يتطلب منا البحث في السناريوهات المحتملة في تطبيق صفقة القرن، والآليات الممكن تبنيها لتفريغ صفقة القرن وورشة البحرين من أهدافها.

ثانياً: السيناريوهات المحتملة لتطبيق صفقة القرن

في سؤال وجهته رابطة الصحفيين الأجانب خلال لقاء جمعهم برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية يوم 20/6/2019م في فندق المتحف بمدينة غزة، حول تعاطي حماس مع مخرجات ورشة البحرين، وهل من الممكن أن ترفض حماس مشاريع الاستثمار والازدهار التي عرضها المجتمعين في المنامة وقيمتها 28 مليار دولار للأراضي الفلسطينية…؟

أجاب هنية: نحن نرحب بأي دعم للأراضي الفلسطينية من أي طرف شريطة أن لا يكون هذا الدعم مرتبط بثمن سياسي.

إجابة السيد هنية على هذا التساؤل الذي يجول في خاطر كل فلسطيني أرهقه الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، والضفة الغربية، وهو كيف نتعاطى مع تلك المساعدات التي ستؤدي إلى الازدهار، تدفعنا للتوقف عند الطرف الآخر وهو الولايات المتحدة وحلفائها، فهل من الممكن أن تتدفق المساعدات دون أثمان سياسية..؟ الإجابة تحتمل كل الخيارات، فلا أعتقد أن الولايات المتحدة بهذا الغباء كي تدعم الفلسطينيون دون أثمان سياسية، وفي الوقت نفسه هي تدرك صلابة الفلسطينيين وصعوبة تقديمهم لتنازلات كبرى تمس بالثوابت الوطنية، إذن ما هي السيناريوهات التي قد تلجأ إليها الإدارة الامريكية لتطبيق صفقة القرن.

  1. سيناريو الحرب

في أول ثلاثاء من شهر نوفمبر من العام 2020م ستكون الولايات المتحدة على موعد مع انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو ما يعني أن الوقت بالنسبة للإدارة الأمريكية في تنفيذ صفقة القرن مهم جداً، فنجاح الصفقة يعني دمج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يضمن دعم اللوبي اليهودي وأنصار الصهيونية في الولايات المتحدة للسيد دونالد ترامب، ما يعزز من فرص فوزه بولاية ثانية.

وعليه فإن سيناريو الحرب أحد أهم السيناريوهات لتمرير صفقة القرن.

ما يدعم من فرضية هذا السيناريو:

أ‌.       تصريحات بنيامين نتانياهو والتي حملت تهديداً مباشراً لقطاع غزة عبر تغريدة أطلقها على تويتر مفادها: “قد نضطر إلى شن عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة وما يرشدني هو شيء واحد فقط وهو أمن دولة إسرائيل”.

ب‌.  عدم الرد الأمريكي عسكرياً ضد إيران بعد حادثة اسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية، وتراجع ترامب عن هذه الخطوة في اللحظات الأخيرة، يعزز من فرص قيام إسرائيل توجيه ضربة للأراضي الفلسطينية عموما وغزة على وجه الخصوص، قد تمهد هذه الضربة لموجة ترحيل تجاه سيناء.

ت‌.   التوافق الأمريكي الروسي في قمة العشرين حول سوريا يمنح إسرائيل طمأنينة على جبهتها الشمالية، والتفرغ للجبهة الجنوبية.

ث‌.  تنكّر إسرائيل للتفاهمات والتلكؤ المقصود في تنفيذ بنودها، دفع الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار لإرباك المشهد الصهيوني من خلال المقاومة الشعبية السلمية ومنها البالونات الحارقة، وصورة الحرائق لو استمرت قد تطيح بمستقبل نتانياهو السياسي في الانتخابات المقبلة، وهو ما يضع نتانياهو بين خيارين: المضي قدماً بالتفاهمات أو المواجهة العسكرية مع غزة.

ما يضعف هذا السيناريو:

أ‌.       لا أحد يستطيع معرفة نتائج الحرب، وفي أي اتجاه قد تأخذ المشهد السياسي، وما هي تداعياتها اقليمياً ودولياً، وما هي حجم الخسائر البشرية والمادية لدى الطرفين.

ب‌.  قد تحرج الحرب الدول العربية التي تطبع مع إسرائيل، وبذلك تنعكس الحرب سلباً على صفقة القرن وحتى على فرص فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية.

ت‌.  سيناريو ما بعد الحرب قد يفشل هذا السيناريو، لأن وحدة الموقف الفلسطيني تجاه صفقة القرن تضع تساؤل حول هوية الجهة التي ستحكم غزة، وفي حال الفراغ المحتمل كيف ستتعاطى إسرائيل مع الكتلة الديموغرافية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.

  1. سيناريو الجزرة وكي الوعي

لا أستبعد أن تعمل الإدارة الأمريكية على ضخ المساعدات المالية دون الطلب من أي طرف فلسطيني تقديم أثمان سياسية، وأن تبدأ مرحلة جديدة تستهدف الوعي الجمعي الفلسطيني، وصناعة كيانات جديدة تعبّر عن حاجات الشعب الفلسطيني، بحيث تصبح مع الزمن بديلاً عن المؤسسات الفلسطينية والقيادات الوطنية، وأستشهد هنا بنموذج: مكانة السفير القطري محمد العمادي في الوعي الجمعي للفقراء والموظفين وشرائح مجتمعية أخرى، حتى أصبحت أخبار قدوم ومغادرة السفير العمادي الخبر الأكثر تداولاً داخل الأراضي الفلسطينية. وهو ما يدفعني لطرح تساؤل: ماذا لو قامت إدارة ترامب بضخ تلك الأموال عبر مؤسسات دولية أو اقليمية تحمل أجندة سياسية تستهدف الوعي الجمعي الفلسطيني.

 

  1. سيناريو المناورة السياسية

من المحتمل أن تلعب الإدارة الأمريكية في ورقة صفقة القرن ليس من أجل التنفيذ، بل من أجل المناورة ومنح العرب مساحة للتطبيع مع إسرائيل تمهيداً لدمجها في منطقة الشرق الأوسط كدولة طبيعية قبل انهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

 

ثالثاً: الآليات الممكن تبنيها فلسطينياً لمواجهة صفقة القرن

مجموعة من الخطوات ممكن تبنيها لمواجهة صفقة القرن على النحو التالي:

  1. الوحدة الوطنية التي تؤسس لاستراتيجية لمواجهة التحديات.
  2. ميثاق شرف اعلامي بموجبه يتم الالتزام بخطاب اعلامي يعزز الوحدة الوطنية، ويركز على القضايا الوطنية، ويضع معركة الوعي ضمن أولى أولوياته، وفي نفس الوقت يتوقف عن تضخيم الجهود المشكورة التي تقوم بها المؤسسات الدولية والاقليمية، حتى لا يصبح شعبنا مع مرور الزمن تحت الوصاية الناعمة.
  3. تقييم التجربة الفلسطينية ومعرفة أين أصبنا وأين أخفقنا وعبر التقييم ممكن تقويم المسار بشكل إيجابي.
  4. حل الدولتين بدأ يتآكل بفعل إسرائيل واستيطانها وتهويدها، وهذه فرصة لأن تعيد القيادة الفلسطينية حساباتها تجاه فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية، وحتى تقبل إسرائيل بهذا الخيار ينبغي حل السلطة، واطلاق شرارة انتفاضة شعبية سلمية دبلوماسية لتحقيق هذا الهدف.
  5. إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي تأثرت نتيجة الانقسام ما دفع بعض الدول للمشاركة في ورشة البحرين. وهذا يتطلب فلسطينياً التواصل مع تلك الدول لمعرفة دوافع مشاركتهم، والعمل على اقناعهم لعدم الانجرار خلف الولايات المتحدة لتمرير صفقة القرن.

[email protected]

 د. حسام الدجني