من منّا لايعرف علي اسحق، ومن منّا لايعرف دور علي اسحق في مخيم اليرموك، في تلك السنوات، في البدايات الصعبة التي شق من خلالها الشعب العربي الفلسطيني ميدان الكفاح المسلح، معلناً بأن قضيته لن تموت، ولن تبقى في الأدراج الأممية المغلقة بالأمم المتحدة.
علي اسحق (حتقوة) من رعيل المناضلين، من الذين التحقوا في ريعان الفتوة والشباب في صفوف المقاومة، وتحديداً في إطار التنظيم الذي كان يحما اسم (جبهة التحرير الفلسطينية) عام 1963، أي قبل الإنطلاقة العلنية للثورة الفلسطينية المعاصرة. وهو التنظيم الذي بات بعد العام 1968 يحمل اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــ القيادة العامة.
علي اسحق (حتقوة) الشركسي الفلسطيني، مواليد بلدة الريحانية في فلسطين قبل النكبة وتحديداً عام 1944، وصل والداه الى لبنان ثم الى سوريا لاجئين من فلسطين بعد العام 1953، عندما حاولت سلطات الإحتلال القاء القبض على والده بتهمة عمله السري مع الكتيبة الفدائية الفلسطينية (68) في سوريا. فاقامت الأسرة في مخيم اليرموك.
علي اسحق، سليل والدٍ مناضل، قارع الإحتلال، وتصدى له، فأجبرته الأوضاع الصعبة على مغادرة فلسطين باتجاه سوريا على أمل العودة سريعاً، فتابع عمله الوطني في إطار الكتيبة الفدائية الفلسطينية (68)، وقد استشهد في تلك السنوات من خمسينيات القرن الماضي على أرض فلسطين في عملية استطلاع خاص بالكتيبة (68)، وقد منحت وزارة الدفاع السورية العائلة حقوق الشهيد الكاملة.
تعرفت على علي اسحق في اليرموك، منذ دراستي في المرحلة الإعدادية، وماكان يُميّزه في حينها شعره الأشقر المنسدل، ونظارته الطبية السميكة نسبياً، ودوره السياسي والإعلامي. وكان في حينها عضواً في المكتب السياسي للجبهة الشعبية/القيادة العامة. ومن مأثره، أنه باع المنزل الذي ورثه من والده في مخيم اليرموك، عند نقطة تقاطع شارع لوبية مع شارع عز الدين القسام، وتبرع بثمنه للتنظيم، وللعمل الوطني.
وفي خضم الحرب الأهلية اللبنانية، واستتباعاتها الإقليمية، وعندما وقع الإنشقاق في صفوف الجبهة الشعبية/القيادة العامة نهاية آذار/مارس 1976، كان على اسحق في إطار اللجنة التي تم تشكيلها فلسطينياً لرأب الصدع داخل صفوف الجبهة، خاصة بعد الهجوم العنيف الذي قامت به مجموعات من عدة فصائل فلسطينية على مقر الأمانة العامة للقيادة العامة في الفاكهاني في بيروت صيف العام 1976، وكانت اللجنة مؤلفة من (طلال ناجي + فضل شرورو + طلعت يعقوب + علي اسحق). لكن عمل اللجنة لم يتم كما كان متوقعاً، فوقع الإتنقسام أو مايُمكن أن نسميه بــ "الطلاق الديمقراطي العسير"، وليستعيد الفريق الذي خرج من الجبهة الشعبية/القيادة العامة، الإسم القديم لها : جبهة التحرير الفلسطينية.
ورغم ذلك بقي علي اسحق على تواصل ندي وايجابي في تلك المرحلة مع القيادة العامة. وهنا استعيد ماقاله القيادي الأول في القيادة العامة في تلك الأيام، وأقصد الأمين العام أحمد جبريل، وفي جلسة كنت من حضورها : "إن خسارتنا لعلي اسحق وأبو الجاسم ...". كبيرة، حيث تم الإشارة الى البعض ممن خرج من صفوف القيادة العامة.
دخل علي اسحق عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الــ 19 التي عقدت في الجزائر نهاية العام 1988. وبقي حتى الدورة الأخيرة التي عقدت في رام الله 2018. بينما دخل عضوية المجلس المركزي للمنظمة عام 1979 عندما تم اعتماد جبهة التحرير كتنظيم في اطار منظمة التحرير الفلسطينية بدورة المجلس الوطني الفلسطيني الــ 14 التي عقدت بدمشق.
عمل بكل المجالات الكفاحية الوطنية، من العمل الفدائي الى العمل السياسي، الى العمل الإعلامي، حيث ترأس تحرير مطبوعة (الأفق) التي كانت تصدرها جبهة التحرير الفلسطينية من قبرص بعد العام 1983. ولاننسى هنا دوره العسكري في حصار بيروت، ومرابطته مع المقاتلين في خطوط القتال الساخنة وعلى التماس مع قوات الغزو "الإسرائيلي".
كنت التقيه في كل زياراته الدمشقية، واخرها قبل ثلاثة أشهر تقريباً وفي الفندق الذي يفضل النزول فيه في منطقة البحصة (فندق الإيوان)، بمعية الأخ أحمد سلمان أبو طلال، الذي كان وبطلبٍ من علي اسحق يعلمني بوصوله لدمشق، في كل مرة يأتي بها للشام. والقيام بجولة افق بالنسبة للقضية الفلسطينية ولعموم منطقتنا.
علي اسحق، نموذج للمناضل الصلب، المؤمن بقضيته، وصاحب الواقعية الوطنية في الوقت نفسه. رحم الله علي اسحق، أبو داليا، واسكنه فسيح جناته.
بقلم/ علي بدوان