قبل أن يولد كوشنر أطلقت م.ت.ف برنامجها الوطني، الذي وقف لأجله العالم، في دعم حركة التحرر الوطني الفلسطينية
■ بتنا على قناعة تامة، أن عراب ورشة البحرين، جاريد كوشنر، إنسان غبي. ولا يفهم من هو الشعب الفلسطيني. فهو يحاول أن يروج لبضاعة فاسدة على أنها منتج جيد.
وهو يحاول أن يروج لمشاريع هابطة على أنها من الطراز المميز. وهو يحاول أن يروج لخطط وسيناريوهات قديمة على أنها حديثة الصنع.
وهو يحاول أن يروج لأفكار اختبرها الفلسطينيون بالدم على أنها لخدمة الشعب الفلسطيني وقضيته ومستقبله.
وهو أخيراً، وليس آخراً، يحاول أن يقدم للشعب الفلسطيني هدية محشوة بمتفجرات مدمرة.
وفي هذا كله يحاول أن يقدم نفسه باعتباره صاحب الأفكار الإبداعية، والرؤى الجديدة، وصانع الحداثة في حل قضية الشرق الأوسط.
ومع ذلك فإنه لم ينجح في التمويه على غبائه، فظهر في كل المحطات على أنه إنسان غبي.
ولعل الكفاءة الوحيدة التي يتمتع بها كوشنر، أنه زوج إيفانكا، ابنة دونالد ترامب، صاحب الصفقة المشبوهة التي باتت تحمل اسم « صفقة ترامب – نتنياهو»
* * *
قبل أن يولد كوشنر، أطلقت م.ت.ف، برنامجها السياسي، الذي ابتدعته الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، على مرحلتين: البرنامج المرحلي، «بعنوان تقرير المصير، وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران 67». أما المرحلة الثانية فللوصول إلى الحل الناجز، إقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني.
نهض العالم بأجمعه (ماعدا إسرائيل والولايات المتحدة) وقوفاً مرحباً بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وحركة التحرر الفلسطينية، وعنوانها م.ت.ف. وراكم الشعب الفلسطيني، في المنظمات الدولية، والإقليمية، مكاسب كبرى، فتحت أمام قضيته آفاقاً واسعة، وحاصرت دولة الاحتلال في الزاوية الضيقة وصولاً إلى اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال التمييز العنصري.
وعندما ذهب السادات إلى كامب ديفيد، عرض على الشعب الفلسطيني، حكماً ذاتياً على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكن موازين القوى، الدولية والعربية، ووحدة الموقف الداخلي، وفرت للشعب الفلسطيني عناصر القوة ليقول «لا»، وليحاصر كامب ديفيد، وليبقى البرنامج الوطني هو المشروع الفلسطيني الوحيد.
وحتى عندما ذهب الفلسطينيون إلى كامب ديفيد، عرضت عليهم مشاريع وحلول وأفكار، تتجاوز بكثير ما يعرضه كوشنر حالياً، ورغم حالة الضعف العربية واختلال ميزان القوى دولياً لغير صالح فلسطين، رفض الفلسطينيون عروض كلينتون – باراك، وذهبوا موحدين نحو الانتفاضة الثانية.
وبعد ربع قرن أو يزيد، اعترف أهل أوسلو بالفشل، وسلموا بقرارات المجلس الوطني (الدورة 23) وقبله بقرارات المجلس المركزي (الدورتان الـ27 + الـ28) وعادوا إلى الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران 67، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي يكفل لهم حقهم في العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
وطوت هذه القرارات مشروع أوسلو، والمفاوضات الأميركية – الإسرائيلية، لصالح مؤتمر دولي، تدعو له الأمم المتحدة، لتطبيق قراراتها ذات الصلة، ترعاه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بديلاً للرعاية الأميركية المنفردة، والمنحازة، بسقف زمني محدد، وقرارات ملزمة، تكفل الحقوق المشروعة لشعب فلسطين غير القابلة للتصرف.
وقبله اعترفت الأمم المتحدة (القرار 19/67) بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران وبحق العودة للاجئين.
كما أدان مجلس الأمن في قراره 2334 (28/12/2016) الاستيطان والتهويد، مؤكداً على أن القدس جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران 67، رافضاً الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
دون أن نغفل ولو للحظة التضحيات الكبرى لمئات آلاف الشهداء، ولحوالي مليون فلسطيني دخلوا المعتقلات الإسرائيلية. ودون أن نغفل ولو للحظة الآلام الكبرى والعذابات المرة التي عاناها الفلسطينيون منذ النكبة إلى الآن. هذا كله، يتوجب على كوشنر أن يدرك أنه لا يقدر بمال أو بثمن.
* * *
يحاول كوشنر أن يعتمد التلاعب بالألفاظ وسيلة للتعمية على مشروعه. فيستعين بقاموس من الألفاظ، جمعها له مساعدوه، وخبراء اللغة، ليبدو حديثه منمقاً، مغرياً، جذاباً، يعبر عن شخصية حضارية، متسامية على الحقد والكراهية، تدعو إلى التسامح والمحبة وحسن الجوار (طبعاً لا يحمل كوشنر نفسه عناء إقناع حميه (عمه والد زوجته) الرئيس ترامب، ليعتمد السياسة ذاتها، التسامح والمحبة وحسن الجوار، مع روسيا والصين، وسوريا، وكوريا، وكوبا، وفنزويلا، وإيران، وحتى أوروبا).
وفي هذا السياق لا يتوقف كوشنر عن تحريض الشعب الفلسطيني على قيادته باعتبارها قيادة فاسدة، هي التي هدرت الأموال الطائلة التي تبرع بها العالم للشعب الفلسطيني. يقول كوشنر إن ما تلقاه الفلسطينيون من مساعدات، لم يقدم لأي شعب آخر. ومع ذلك أدى الفساد وغياب الحوكمة لدى القيادة إلى هدر هذا المال.
صحيح أن هناك فساداً في المؤسسة الفلسطينية. وهذا لا ينكره أحد. وهو فساد تقوم وسائل الإعلام بالكشف عنه علناً دون خجل. لكن كوشنر الذي يتحدث عن الفساد لدى الفلسطينيين يتجاهل الفساد لدى دولة إسرائيل، حليفه الأكبر.
• تجاهل تهمة الفساد التي وجهت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين الذي أخفى عن اللجنة الانتخابية رصيده المالي في واشنطن، وهو أمر مخالف للقوانين الإسرائيلية.
• تجاهل فساد رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أرئيل شارون وأولاده، في صفقاتهم المشبوهة والمخالفة للقوانين مع أحد رجال الأعمال اليونانيين.
• تجاهل فساد رئيس الدولة الإسرائيلية الذي أحيل إلى المحاكم، وقضى سنوات في السجن.
• تجاهل قضية الفساد التي أدين بها أرييه درعي، رجل الدين اليهودي «الورع»، رئيس حزب شاس، حين اعترف باختلاس أموال وزارة الأديان لصالح حركته الدينية وسجن.
• تجاهل قضية الفساد التي سجن بموجبها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت.
• تجاهل قضية الفساد التي تورط بها رئيس أركان إسرائيل الأسبق اسحق مردخاي، وانتحر قبل محاكمته.
• تجاهل قضية فساد الوزير السابق حاييم رامون الذي أقيل من منصبه وسجن.
.... وتجاهل أخيراً وليس آخراً قضايا الفساد المتهم بها رئيس حكومة دولة الاحتلال الحالي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة.
كوشنر غبي. لم يقرأ تاريخ المنطقة، ولم يقرأ تاريخ فلسطين. ويعتقد أنه كلما تكلم أكثر، كلما أقنع الفلسطينيين بصحة سياسته. لكن غاب عن باله، أنه كلما تكلم، كلما أكد للرأي العام، أنه غبي من الطراز الأول.■
معتصم حمادة