يعتبر التعليم واحدا من اخطر مكونات الفكر والسلوك الانساني وما ينتج عنهما من فعل مادي حي وكثرة هي النداءات والدراسات التي قدمت حلولا ورؤى لتطوير التعليم في العالم العربي لكن واقع الامر يشير الى ان هناك من لا يرغب بتطوير التعليم والانتقال به الى الامام باستخدام اليات ووسائل واساليب جديدة تساهم في بناء انسان عربي جديد مفكر وفاعل ومبدع وجمعي وعلى العكس مما نحتاج فان لدينا تعليم تلقيني يسعى لجعل الانسان العربي انسان متلقي قابل لا يناقش ومنفذ ومستهلك سلبي لكل ما يقدم له ايا كانت الجهة التي تقدم ذلك.
المدرسة العربية هي اداة الحاكم لتشكيل الرعية وليس العكس بمعنى ان الحاكم العربي يبني مؤسسة تعليمية خاصة به وعلى مقاسه تساعده في تشكيل رعية مطيعة قابلة مستكينة منفذه لما يريد وبخلاف ذلك فانه سيجد نفسه امام مجتمع حقيقي نقدي لا يطيع بدون معرفة واقناع ومشاركة وهو لذلك يجيش كل شيء لصالح الحكم الذي يملكه باعتباره يملك دكانا وهو يريد للشعب ان يتحول الى اقنان في مزرعته او عبيد حتى لا يملكون حق النقش فيما يخصهم وفي سبيل ذلك فهو يستدعي كل شيء وفي المقدمة المدرسة والمسجد وهما الوسيلتان الاكثر تأثيرا في الجمهور فالمعلم ورجل الدين هم اخطر شخصان مؤثران في تشكيل وعي الناس.
ما حدث من تغيرات دراماتيكية في المملكة السعودية على يد ولي العهد الشاب وما قامت به المؤسسة الدينية كان الاثبات الاكثر وضوحا على الدور الذي تلعبه المؤسسة الدينية لتنفيذ ربات الحاكم ففي فترة قياسية التوى عنق الفتاوي الدينية لتلغي كل ما سبق ونظرت ونادت به عبر عشرات السنين واصبح قيادة المرأة للسيارة امرا عاديا وحقا لا يجوز منعه وبعد ان كان حراما شرعا بات حلالا شرعا وبمبررات تبرر التحليل كما بررت التحرير ولم يعد الرقص والغناء جريمة ولم يعد اشهار الافطار في رمضان جريمة يعاقب عليها قانون جماعة الامر بالمعروف وبالتالي تم تقديم الدين على طبق من ذهب لتبرير رغبات الحاكم وهو ما يعني ببساطة ان سيد المعرفة هو صاحب المصلحة بتشكيلها وان صناع هذه المعرفة او الفكر او الثقافة هم خدم مطيعين للحاكم المالك لأمرهم وعلمهم يستخدمه لتطويع ارادة الناس عبر ادواته التي يستخدمها في سبيل ذلك وفي مقدمة هذه الادوات المعلم ورجل الدين والمثقفين المنتفعين من اعلاميين وكتاب بصفتهم صناع راي وقادة جوقة التطبيل والتزمير الضرورية لتثبيت الحاكم واطالة امد حكمه حد التحول من حكم للشعب الى تحكم برقاب الشعب عبر التحكم بعقولهم.
ان تحرير المدرسة والمؤسسة الدينية ومنابر الفكر والاعلام ورموزها من سيطرة الحاكم الفرد المتسلط هي المقدمة الضرورية لتحقيق الانتقال الى مجتمع فاعل حي نقدي لا يقبل الظلم ولا يمكن الحاكم منه بل يعطي الشعب وممثليه حق التحكم بإرادة الحاكم ووجوده عبر انتخاب حر مباشر يجعل من السلطة والسلطان ملكا للشعب لا من الشعب اداة بيد السلطان من خلال تمكينه أي الحاكم من السيطرة على مفاتيح تشكيل وعيه وبذا نصبح مواطنين حقيقيين في مجتمع المواطنة المدني لا مجرد ادوات في رقعة شطرنج تحمل اسم سيدها وحماة سخفاء لإرادته ومصالحه.
ان التوقف عن الدور التلقيني في المدرسة العربية التي تعتمد نظام الببغاء بالحفظ والترديد والغاء مهمة الطاعة لرجل الدين كبديل للدين واعتبار ما يصدر عنه امر الهي لصالح طاعة الله لا طاعة عبده واعتبار مناقشة فتاوي البشر حق الهي يملكه الجميع لا تصوير رجل الدين باعتباره مبعوث الهي معصوم عن الخطأ لان ذلك سيفتح كل الابواب على مصراعيها لبناء انسان جديد مما يعكس نفسه على نمط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويلغي كليا نظام تسلط السلطان على المجتمع بإعطاء المجتمع نفسه حق صياغة سلطته وتفويض من يراه للقيام بإدارتها عبر الامساك بحق رسم سياسته وتغييره حسب القانون والنظام المعمول بإرادة الناس كل الناس.
ان نظام التعليم التلقيني في العالم العربي يصنع اسرى لما لقن لهم وكذا تفعل المؤسسة الدينية فالتعليم يسيطر عليه الطابع النظري مما يساهم في تخريج طوابير من العاطلين عن العمل ولا يسعى الى بناء مجتمع منتج عبر تطوير الجانب التقني والعلمي العملي في مناهج التعليم المدرسي او الجامعي والى جانب ذلك فلا زالت الامية متواجدة وتطل براسها اكثر فاكثر فقد اشارت تقارير منظمات دولية الى فهناك تسعة مليون طفل عربي لا يلتحقون بالمدارس و40% من جيل الشباب لم ينتقلوا الى مرحلة التعليم الثانوي ولا زال هناك 60 مليون عربي وعربية اميين حتى يومنا وهو ما سيبقى ولامد عائقا امام أي اهداف تنموية تطويرية فبدون الانسان لا يمكن تحقيق معدل استجابة حقيقي لاي برامج او رؤى تنموية فصناعة الانسان اولا هي المؤسس لصناعة مجتمعات الغد الحضارية الفاعلة.
بحاجة نحن اذن لنظام تعليمي حقيقي مبدع يتلاقى مع واقع الاحتياجات العملية على الارض ويعتمد تقنيات الفعل والتجريب والفحص العملي كمكل لا بديل عنه للتعليم النظري وبدون مؤسسة تعليمية تعتمد التعليم العملي مناصفة مع التعليم النظري وتجد في تخريج متعلمين مؤهلين للانتقال فورا الى الحياة العملية لا مجرد حفظة لما كتب في الكتب فاهم ما يمكن قوله عن كل خريج عربي انه قد حفظ ما قرأ واستطاع نقل ما حفظه الى اوراق اجابات اهلته للنجاح ولا يعني ذلك ابدا انها اهلته للحياة او للعمل.
بحاجة نحن اذن لمدرسة عملية تستخرج ابداعات الطالب وتصنع منه مشارك في التعلم لا متلقي صامت وتعتمد على التقنية العلمية والعملية في صناعة التعليم التي تنتج انسانا لا سلعة للبيع والشراء وهو ما يعني ان صناعة انسان حقيقي فقط هو ما يؤسس لصناعة مجتمع حقيقي منتج وفاعل وحي ومشارك في صياغة الحضارة الانسانية ويضع لنفسه مكانا واضحا في تلك الحضارة كمشارك ايضا وصانع لا كمستهلك بليد.
بقلم/ عدنان الصباح