■ رفض الفلسطينيين حضور ورشة البحرين ومقاطعتهم لها، أفقدها الكثير من تأثيراتها السياسية، لكنه لم يجردها من التداعيات التي سوف تتالى على أوضاع المنطقة.
رغم الحديث عن غياب التمثيل الإسرائيلي الرسمي، بذريعة منعاً لإحراج المشاركين العرب، غير أن الحضور «غير الرسمي» لم يكن أقل أهمية من تمثيل حكومة نتنياهو في الورشة.
حضر حشد غفير من رجال المال والأعمال والعسكريين المتقاعدين، أصحاب الرؤى والنظريات السياسية ذات الصلة بالموضوع، وخبراء اقتصاديون وأصحاب مشاريع تطبيعيه مع الدول العربية.
حضر حشد غفير من رجال المال والأعمال العرب (بمن في ذلك فلسطينيون باتوا يتمتعون بالحماية الأميركية – الإسرائيلية) ويمثلون الشركات العربية.
أن بتعبير آخر، أزالت ورشة البحرين الحواجز التي كانت تعرقل عمليات التطبيع العربي – الإسرائيلي، ووفرت المظلة الأميركية – الإسرائيلية العربية لمثل هذا التطبيع.
من الغباء الاعتقاد أن الحوارات والنقاشات، إلى جانب الخطة المؤلفة من أربعين صفحة، لم تتناسل منها أفكار ومشاريع مشتركة بين المال العربي والتكنولوجيا الإسرائيلية، خاصة وأن الحديث كان يدور عن المناطق الفلسطينية وجوارها، أي الضفة والقطاع والأردن، ولبنان، ومصر )أما سوريا فنعتقد أن ملفها مغلق ما دام الحل السياسي الذي تنشده واشنطن للأزمة السورية يبقى معطلاً(.
لا مبالغة في القول إن ما بعد ورشة البحرين، ليس ما قبلها، لا مبالغة في القول إن قطار التطبيع بدأ يتلقى دفعاً من بعض العرب، وإن الكثير مما كان سراً، تحول إلى العلن.
بالتالي فالكرة في ملعب القيادة الرسمية الفلسطينية.
هل تستمر في التمسك بالرفض الكلامي المجاني؟ وهل تستمر بالاشتباك الإعلامي من بعيد، أم تنتقل إلى الاشتباك الميداني؟
أمام القيادة الرسمية كمّ من القرارات الواجب تنفيذها في مواجهة صفقة ترامب، رسمها المجلس المركزي (الدورة الـ 27 + الـ 28) والوطني (الدورة 23).
أمامها الآن مهام مباشرة من الخطير تجاهلها. أهمها:
• إعادة الاعتبار لقرار مقاطعة البضائع الإسرائيلية، في أنحاء مناطق السلطة الفلسطينية، واتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية، الكفيلة بتطبيق قرار المقاطعة، ما يلزم التاجر والمواطن المستهلك وتشجيع المبادرات الشعبية والأهلية على تنشيط دورها في تصليب المجتمع، ومقاومة النزعات الاستهلاكية الفجة لدى بعض الفئات التي تحولت السلعة الإسرائيلية لدى بعضها إلى معبود يدر عليها المال الوفير على حساب المصالح الوطنية.
• دعم حركة المقاطعة (B.D.S) التي تفعل فعلها في الاقتصاد الإسرائيلي، ما دفع حكومة نتنياهو لرصد ملايين الدولارات لمجابهة هذه الحركة ومقاومتها. لا تستطيع هذه الحركة أن تكسب ثقة المواطن العربي والغربي، في مقاطعة السلعة الإسرائيلية في الوقت الذي تتلكأ فيه السلطة الفلسطينية ومعها شرائح معينة في مقاطعة السلعة الإسرائيلية.
• وقف عمل لجنة الاتصال مع القوى السياسية في المجتمع الإسرائيلي، بذريعة كسب ود وتأييد بعض الأحزاب الإسرائيلية في مواجهة حكومة نتنياهو. هذه اللجنة لن تكون بديلاً للمقاومة. فالمقاومة الشاملة، ووضع حد «لاحتلال بلا كلفة»، لصالح «احتلال مكلف» للإسرائيليين اقتصاديا ومادياً ومعنوياً وأمنياً، هي التي من شأنها أن «تقنع» المستوطن بخطورة الإقامة في مستوطنات الضفة. وهي التي «تقنع» المجند الإسرائيلي بخطورة الالتحاق بموقعه في الضفة، ما يعيدنا مرة أخرى إلى حركة التمرد في الجيش الإسرائيلي، في رفض العمل في المناطق المحتلة. وهي التي «تقنع» الأحزاب الإسرائيلية بضرورة إعادة التفكير بجدوى الاحتلال وجدوى الاستيطان، وما عدا ذلك فسباحة في الأوهام وتهرب من الواقع.
انتهت أعمال ورشة البحرين. وأطفئت الأنوار، وغادر المحتفلون القاعة. لكنهم لم يغادروا إلى منازلهم. إنهم يتداولون، ويتشاورون الآن في تنفيذ ما اتفقوا عليه.
لذا قلنا: ما بعد الورشة ليس كما قبلها.
بقلم/ محمد السهلي