ألإسلاموفوبيا

بقلم: المتوكل طه

قد يكون الغرب مُحقّاً في نقد "المتديِّن" لأسبابه ، وهذا جزء من الأزمة في الثقافة الغربية، التي تعاني من عوامل داخلية تاريخية لها علاقة بانحراف الكنيسة في القرون الوسطى، وتعارضها مع المنظومة الحياتية، أدّت إلى هذه الصورة القاتمة للمتديّن. أمّا فيما يتعلّق بالإسلام فإنّ الحركات والجهات المعادية للعرب والمسلمين تقوم بتزويد المجتمعات الغربية بحمولةٍ ظالمة وسوداء مفبركة عن العرب والمسلمين، كما أنّ التقارب بين الكاثوليكية ومركز البروتستانتية، المُفضي إلى وحدة العهدين القديم والجديد، ساعد المناخ اللاهوتي الغربي في تدعيم اليهود والصهيونية، الذين يصدّرون صورة قاتمة عنا، إضافة إلى أنّ قروناً من الصراع الصليبي الإسلامي ما زال مترسّباً في الغرب ويخلق نظرة سلبية ضدّنا ، وصورة إيجابية لصالح الصهيونية واليهودية، ويساعد في تعميق الصورة النمطية المقوْلَبة ضدنا في الغرب.

وبظنّي ، فإن السياسة الرسمية الغربية - إلى حدّ كبير - ما زالت تعادينا، وتعتبر "اسرائيل"، خندقها الفكري والسياسي والعسكري، مقدّساً !

وقد وَقَع العالم الغربي في خطيئة أخرى من خطاياه؛ وهي أنه ساعد ودعم وحاول نشر فكرة القبول للإسرائيلي داخل المجتمع الفلسطيني والعربي، عن طريق مراكز البحث والدعم المالي والدورات وخلق النُخب وتشجيع المبادرات وربط المساعدات بهذه الثقافة الجديدة، في حين أن هذا المجتمع الغربي لم يطلب من الإسرائيليين الشيء ذاته، الأمر الذي تحوّل فيه الإسرائيليون إلى متطرفين أكثر فأكثر .. بحيث شهدنا، منذ أوسلو حتى اللحظة، تفريخاً متصاعداً لأحزاب اليمين المتطرّف والمتوحش والحاخامي.

أما الموقف أو السياسات في المجتمع المدني الغربي، فقد بدأت تتغيَّر ببطء تدريجياً نحونا، لكنّ هذا التغيُّر، وفي ظل الترهيب  باسم معاداة الساميّة ، وطوفان الإعلام الصهيوني المُوَجَّه والقوي، ما زال يفتُّ في صورتنا ويظلمنا .

وهنا، علينا الإفادة، عرباً ومسلمين، من الفضاء الحرّ المَعيش في الغرب، وخصوصاً أن لديه مُتّسعاً لما يُسمّى بالأسئلة اللامتناهية، على رأي بعض المفكرين، (الّلامتناهي في الأسئلة والإجابات والنقد) قولاً وممارسةً. وأن أحد سلبيات إعلامنا أنّه يتوجّه لنا أكثر مما يخاطب الرأي العام الغربي، بهدف ترميم صورتنا وتقديم صورة تمحو الرُّهاب عن الإسلام (ألإسلاموفوبيا) في ظلّ سيطرة انتشار حرّاس الكذب، الذين يمرّرون مقولاتهم، في ظل الفوضى الخلاّقه والعولمة والاحتلالات، لتعميق صورتنا السوداء المغلوطة في الغرب، على الرُّغم من تشقق الجدار، الذي فصل ما بين ما كان يحدث عندنا من مذابح وفظاعات من قبل الاحتلال وقوى الاستكبار، وبين مُتلقيات الوعي والإعلام الغربي، ما أحدث تحوّلاً في الرأي العام الغربي، لكنه ما زال بطيئاً وضعيفاً جداً. لهذا بقيتْ الثقافة الغربية الجمعية ثقافة عنصرية تّجاهنا، بسبب موضوعة الاستعمار. وبسبب الاستعمار كان لا بدّ للخطاب المستعمِر إلاّ أنْ يصِفنا بالدونيّة وبأنّ ثقافتنا خرافات وخيالات، وهذا جزء من مرافعته لتوفير الأعذار والمبرّرات لما يقترفه ضدنا.

إنّ هذا مقياساً عنصرياً ما زال متحكّماً ومستمراً ورافضاً لنا . إنّ الثقافة الغربية ثقافة هيمنة وذرائع، لكنّ ديننا أنتج ثقافة مساواة وقبول للآخر وثقافة حوار وعدالة.

***

ويبدو أنّ البعض يريد أنْ يُحْكَم المجتمع بثقافة غير ثقافته (حكم المجتمع خارج ثقافته) هل هذا معقول ؟

المعقول هو المطالبة بإنهاض وتحديث هذه الثقافة وليس اجتثاثها، لأن ذلك عين المستحيل. وربما يطيب للكثيرين القول بأنه لا توجد رسالة إنسانية في ثقافة الغرب، وهذا صحيح إلى حدّ كبير، لأن الثقافة الغربية مكّنت الأقوياء فقط من فرض وعيهم وثقافتهم ومصالحهم (خمس دول يتحكّمون في مجلس الأمن)، عدا عن تصاعُد النازيّة والفاشيّة الجديدة وجماعة كارل الثاني عشر، ما يدلل على أن الثقافة الغربية، منذ اليونانية، هي ثقافة السيّد الأبيض، وبظنّي أن الغرب لم يغادر هذه الثقافة حتى الآن، لأنها تعمّقت خلال ممارساته الفظيعه فيما اقترفه في العالم الجديد من فظاعات وإبادة ، عداك عن محاكم التفتيش وضحايا الحربين العالميتين .. الخ .

***

إنّ أيّ فكر أو دّين أو عقيدة بالإمكان تأويله بشكل مغلوط ، والذهاب به إلى القراءة الخطأ، ما يؤدّي إلى التعصّب والتطرّف والظلامية، قولاً أو فعلاً، وهذا لا يقتصر على دّين دون آخر .

وإذا كان الدّين عاملاً إرتكاسياً يؤدّي إلى التخلّف وتمزيق الذات، فلماذا يُصرّ الغرب والحكام المصنوعون المكرّسون لخدمته على "تنقية" المناهج والحياة من الدّين وتجفيف مصادره، على اعتدالها ؟

***

إنّنا نرفض ثقافةَ تصدير الخوف والإرهاب والتوصيف السلبي، كما أننا مع ثقافة النقد في مواجهة ثقافة الرفض .

***

وتجدر الإشارة إلى أنه بالإمكان استخدام أيّ دين بكيفيّة مرعبة وخطيرة، مثلما يتمّ استخدام الثقافة أو الإعلام. وثمة غلبةٌ للتقاليد والعادات والقيم السائدة في الحياة، لكنه لا يجوز تحميل أوزارها للدّين، كما لا يجوز الدخول إلى نظرية أو فكر من خلال جزئية أو عبر تفصيل، بل عليك أخذ النظرية كاملة ثم ادخل إلى فروعها وتفاصيلها.

***

وبظنّي أنّه تمّتْ عملية تغييب للدّين الصحيح عمداً، مثلما تمّت عملية تشويه مقصودة للعقيدة، عبر إظهار تنظيمات متطرّفة مُجرمة تتزيّا بالدّين وتنطق باسمه، عدا عن أن الكثير من المُنظّرين الإسلاميين ما زالوا يتعاطون مع الإسلام باعتباره ديناً شرق أوسطياً، ولم يبحثوا حتى اللحظة عن الآليات المطلوبة لتمريره كدِين عالمي، مثلما دعا المفكر محمد شحرور في مؤلفاته، رغم ملاحظاتنا على بعض أفكاره في كتابيه السّنة النبوية والسّنة الرسولية ، والدّين والسلطة  .

ونؤكد أن ثمة أزمات (كبت اجتماعي، جهل، غياب للعدالة والمساواة) ونرى نتوءاتها في الحياة، وقد أسقطت ظلّها الثقيل على الدّين، ما جعل البعض يخلط ، ظُلماً أو جهلاً، بين العادات والأزمات والدّين.

***

وأخيراً، ومع إقرارنا بأن ثمة  رُهاباً "فوبيا" قديمة في الوعي الغربي من الإسلام بفعل الفهم المغلوط والاحتكاك بالعثمانيين والأندلس والحروب الصليبية، إلا أن الغرب، مُطالب بإمعان نظره في النص الإسلامي القابل للتأويل السليم والاجتهاد والخصوصية، باعتبار الإسلام فكراً إنسانياً تخطّى الجغرافيا والزمن، لما لديه من قدرة على التعاطي مع المتغيّر .

ونستطيع أن نفهم أنّ ثمة فكراً حياتياً سائداً في الغرب، يتأتّى من قراءة الظواهر، وتتوالد لديه منظومات فكرية، ولا يتعارض بالضرورة مع سعيه لفهم جاره على الضفة الأخرى.

بقلم/ المتوكل طه