القضية لم تعد مروية تنقصها الدقة في التفاصيل، بل تجلت بعد سبع عقود من الصبر والمعاناة متحدثة مباشرة عن ذاتها بكل اللغات واللهجات وإشارات الصم البكم ليفهم ما يتخبط في جوهرها كُلٌّ حسب انحيازه المضبوط عنده بالكثير أو القليل، بالتأكيد نقصد الحاصل بين بضع حكام عرب وإسرائيل ، كمدخل له أهميته لتحديد المسؤوليات وضبط جامعي السنابل ، أو المستولين عليها تَعَباً بضربات المعاول .
... في الموساد قسم مستحدث مهمته واحدة لا غير حماية هؤلاء القادة بالمعروف من الأدوات أو المبتكر المساير للوثبات الجبارة المحققة من طرف العلم والعلماء منذ بروز التفوق الإيراني في مثل الميدان المخابراتي الرامي إلى أَمْرٍ وثلاث حلول يلازمون أي تعثر قد يصيبه أثناء التنفيذ كبديل ، والقسم يباشر مهامه الخطيرة / السرية يصطدم عملاؤه بحقيقة مُرة أعادتهم للتفكير من جديد حينما عثروا أن إيران واضعة يديها في مثل الموضوع بمنهاجية تفوق المنهاجية الإسرائيلية بمراحل ، ناشرة نتائج اجتهادها وفق الحاجة الإستراتيجية المؤهلة لخدمة الدولة الفارسية في الوقت الذي تريده وبالحجم الذي تشاؤه بما لا يخطر على بال ، وإذا كانت إسرائيل ذهبت في مشروعها الجديد / القديم إلى إحاطة قادة عرب منتقين بحسب الحاجة لخدماتهم أكانت مباشرة أو مُقدَّمة تحت الطاولة ومواجهتهم علنا أو خفية حسب الظروف بعناية قصوى لا عشقا فيما ميزت طلعتهم البهية بفرط مساحيق التجميل المصنّع ولو لحين الجمال ، وإنما لمكانتهم القوية في عملية تغييب شعوبهم ولو استطاعوا حذف حب فلسطين والفلسطينيين من عقولهم بالتخلص حتى من حدس الخيال، فإن إيران عمدت لما هو أعمق وأخطر بتوغلها داخل الشعوب مكرسة (بعد سنوات) واقعا من الصعب تغييره كما حصل في جنوب لبنان وأماكن لا بأس بها من اليمن وداخل سلطنة عمان و في عمق مملكة البحريين و مواقع لها شأنها في دولة العراق وحتى التسرب لمساحة حساسة في إسرائيل نفسها لتنطلق منها القلاقل المؤدية حتما لتفتيت القوى الدفاعية فالضغط على الكيان الصهيوني لتقزيم دوره كمقدمة اعتمدتها أمريكا للسيطرة المطلقة على الشرق الأوسط ومحيط نفوذ التحالف المتخذ نموذجا آخر من الانسجام الموضوعة أسسه على محك دراسة الخبراء العسكريين بتكتم شديد في كل من روسيا و تركيا وإيران والصين ، وحسب معلومات مغلوطة وضعها من وضعها على طاولة أصحاب أخذ القرار في تل أبيب انتهت إلى قناعة "ترامب" بوجوب توجه ترسانة بحرية لإعلان الحرب على إيران قريبا منها كتحدي تتفنن أمريكا بواسطته لفرض هيمنتها وهيبتها بأسلوب جديد قائم على خيار مفاوضات آخر لحظة المنتهي بالانبطاح أمام إرادة ترامب أو حرق أي متطاول راغب ودولته الوقوف الند للند مع أول قوة في العالم على الإطلاق ، وحتى يعلم الرئيس الأمريكي أنه مبالغ للغاية في تفسير الأشياء على هواه أعلنت إيران في شخص حاكمها المطلق خامنيئي أنها لن تتفاوض وليشرب ترامب من مياه الخليج المالحة ، بعدها توقفت كل السيناريوهات الخالية من نية التصعيد بسبب بسيط مرده أن المخابرات العسكرية الأمريكية توصلت في عين المكان الى قناعة أن الولايات المتحدة ستكون عاجزة على استمرار أي حرب تشنها على إيران ما دامت الأخيرة قادرة انطلاقا من العراق و لبنان والأردن على مسح إسرائيل من فوق برج عطرستها أولا ً، ملحقة أضرارا بليغة انطلاقا من عُمان والبحرين واليمن بالمملكة السعودية والامارات العربية المتحدة ثانيا ، بالإضافة للخسائر الفادحة في أرواح ومعدات القوات الأمريكية ممَّا يُعرض حياة ترامب السياسية داخل البيت الأبيض لخطر داهم غير مسبوق ثالثا .
... السلطات الأردنية تدرك مثل الكلام الزاحف لا محالة لتذكيرها أن المنطقة مسكونة بمن يحسبون الهفوات المرتكبة في حق العرب عامة والفلسطينيين على وجه الخصوص، العواطف موضوعة في ثلاجة نعرف عنها ذلك لترقُّبها نتائج اللعبة الأمريكية المصمَّمة لتكون الأردن مشخصة داخلها بمهمة منفردة ، طبعا لا أحد من أجهزة تتقاسم البيانات مع جارتها الإسرائيلية له الحرية في فرض قاعدة أن الحق حق وأخذه بالكامل مرتبط بالكيفية المستعملة لذلك ، لذا الأفيد ترك أوهام تحقيق إسرائيل أي وعد أبلغته الأردن بعيدا عن الشعب الأردني الشريف الأصيل المخلص لوطنه المضحي بالغالي النفيس إبقاء على كرامته وسمعته الطيبة بين شعوب تعشق مثله الحرية والعدل والاستقرار والأمن والسلام ، لذا لن يبقى في الأردن ذاك الحل المسجون فقد لمس الوعي كل الطبقات وبقدر ما رأت تفتَّحت أزيد وأكثر عند العامة العيون.
بقلم/ مصطفى منيغ