ما يدعو للقلق حول ما نشرته «إسرائيل اليوم» غياب الشفافية في مصارحة القيادة الفلسطينية للشعب
■ ما نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم» الإسرائيلية (9/7/2019)، عن عودة الحرارة للعلاقات بين القيادة الرسمية الفلسطينية، والإدارة الأميركية، عبر قناة «التنسيق الأمني» بين جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية، وجهاز المخابرات الأميركية، أمر يدعو للقلق الشديد، ويستحق الاهتمام والمتابعة اللصيقة. الصحيفة تقول إن القيادة الرسمية راجعت موقفها من مقاطعة إدارة ترامب، في رد فعل منها على مشاركة بعض الأنظمة العربية في ورشة البحرين، و«تخليها عن القضية الفلسطينية»، وتحت تأثير الحصار المالي الذي بات يهدد السلطة بالانهيار.
سبق هذا الخبر، حديث لجاريد كوشنر، مبعوث ترامب إلى المنطقة وعراب ورشة البحرين وصفقة ترامب – نتنياهو، حمل في طياته كلاماً طيباً عن الرئيس محمود عباس، منقولاً عن تصريحات للرئيس ترامب.
كما سبق ذلك أيضاً مقابلة مطولة أجرتها «الأيام» الفلسطينية، الصادرة في رام الله (8/7/2019) مع جيسون غرينبلات، مساعد كوشنر، دعا فيها القيادة الرسمية للعودة إلى المفاوضات، باعتبارها السبيل للوصول إلى «السلام» مع إسرائيل، مؤكداً (في رسالة ذات مغزى) أنه دون مشاركة الفلسطينيين في المفاوضات لن تنجح إدارة ترامب في «صنع السلام» في المنطقة.
كما شجع غرينبلات الجانب الفلسطيني على إنهاء مقاطعته للإدارة الأميركية، وأن إنهاء المقاطعة ستقابله الولايات المتحدة بإعادة فتح مفوضية م.ت.ف في واشنطن، واستئناف المساعدات المالية للسلطة؛ ملوحاً في الوقت نفسه أن فريق «صفقة ترامب» سوف يوسع نشاطه السياسي في المنطقة، ليطال رجال أعمال وصحفيين وناشطين فلسطينيين، وعرباً آخرين، بحجة مواصلة التشاور حول مخرجات ورشة البحرين، وحول المشاريع التي يحتاجها الفلسطينيون. أما الجانب السياسي من «الصفقة»، فقد أكد غرينبلات أنه «لا يحمل جديداً»، أي لا تراجع عن الخطوات الميدانية التي انطلقت يوم 6/12/2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل.
* * *
ما الذي يدعو للقلق في هذا كله، ولماذا لا ندرج هذا في كونه مجرد حرب إعلامية، هدفها إحداث البلبلة في الصف الوطني والتشويش على القضية الوطنية.؟
أكثر من سبب يدعو لذلك.
• غياب الشفافية في الأداء السياسي للقيادة الفلسطينية الرسمية، وتهميشها للهيئات والمؤسسات الوطنية لصالح «المطبخ السياسي»، وسياسة التفرد والاستفراد. حتى اللجنة التنفيذية في م.ت.ف باتت تجتمع بصفتها «هيئة
تشاورية» وليست قيادة سياسية، كما أن بياناتها لا تعكس حقيقة ما يدور فيها من «مشاورات» وعرض معلومات، ولا قيمة لبياناتها لأنها لا تملك سلطة الفعل والقرار والتنفيذ.
• أن القيادة الرسمية عودتنا على الانقلابات السياسية على مواقف الإجماع الوطني. فيعد دورة المجلس المركزي في 15/1/2018، التي اتخذت سلسلة قرارات، منها طي صفحة أوسلو والتحرر من التزاماته واستحقاقاته، انفردت القيادة الرسمية أمام مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، بإطلاق ما سمي بـ«رؤية الرئيس» لاستئناف المفاوضات تحت سقف أوسلو، مع الجانب الإسرائيلي، في تعاكس تام مع قرارات دورة «المركزي» التي لم يكن قد جفّ حبرها بعد.
• أن القيادة الفلسطينية مازالت تعطل قرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني، ومازالت تلتزم اتفاق أوسلو وإستحقاقاته. واللقاء الأخير بين الرئيس عباس ورجال الصحافة، أكد على ذلك، معترفاً أن الإلتزام بات من جانب واحد، بعدما نسفت إسرائيل كل الاتفاقات مع السلطة الفلسطينية.
• أن القيادة الفلسطينية مازالت تؤكد تمسكها بالتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، (وعبره تتم المباحثات بين الجانبين في كل القضايا الثنائية بحضور ضابط الارتباط الفلسطيني حسين الشيخ، والوزراء المعنيين) وبالتنسيق الأمني مع الولايات المتحدة هذا التنسيق هو القناة التي مازالت القيادة الرسمية الفلسطينية تحافظ عبرها على العلاقات الصامتة مع الجانب الأميركي، رغم مئات التصريحات التي تؤكد مقاطعة الإدارة الأميركية، وتؤكد أن لا عودة عن هذه المقاطعة إلا بعد عودة الإدارة الأميركية عن قرارها بشأن القدس (!).
• أن مقابلة «الأيام» مع غرينبلات تمت بعد أيام قليلة على مشاركته في إفتاح نفق التهويد الجديد في القدس إلى جانب سفير أمريكا ديفيد فريدمان، دون أن تأتي المقابلة على ذكر هذه الحادثة، وكأن المقابلة أرادت تتجنب القضايا «الشائكة».
• وأخيراً، وليس آخراً، أنه مرّ على ما جاء في «إسرائيل اليوم»، الوقت الكافي دون أن تنفي السلطة والقيادة الرسمية ما جاء فيها.
* * *
أن يعترف كوشنر بأن الغياب الفلسطيني أفشل جانباً مهماً من ورشة البحرين، فهذا اعتراف بقوة الورقة الفلسطينية.
وعندما يؤكد غرينبلات أن الحل لن يكون إلا عبر مفاوضات يشارك فيها الجانب الفلسطيني، هذا أيضاً اعتراف بقوة الورقة الفلسطينية.
وحين يدعو غرينبلات الفلسطينيين إلى إنهاء مقاطعتهم للإدارة الأميركية، وعن استعدادها لتجاوز سفارة بلادها في القدس لصالح علاقات مباشرة بين رام الله وواشنطن، فهذا أيضاً اعتراف بقوة الورقة الفلسطينية.
ولم تكن الورقة الفلسطينية، في الأساس بحاجة لاعتراف كوشنر، وغرينبلات وغيرهما بأهمية القضية الفلسطينية وقوتها.
ما يقلق في هذا الجانب، أن السياسة الرسمية الفلسطينية، وبدلاً من تستند إلى قوة الورقة وقوة القضية وقوة الصمود الشعبي الفلسطيني، وتتقدم خطوات إلى الأمام، في تحصين الموقف الفلسطيني وفي تصليبه، عبر إجراءات وقرارات، وسياسات عملية ميدانية، هي محل توافق وطني شامل، شكلت أساساً متيناً لوحدة الموقف الفلسطيني من ورشة
البحرين، تعمد إلى استنزاف هذه القوة واستنزاف الورقة، واستنزاف النضالات الشعبية بمواقف ارتدادية، تحاول أن تستعيد الماضي الفاشل، في رهانها على اعتماد خيار المفاوضات سبيلاً وحيداً، مع تحسين شكلي في مظهر المفاوضات، دون المساس بأسسها ومرجعيتها وآلياتها، وضمان مخرجاتها ونتائجها.
لذلك، وبناء على الأجواء السائدة في الحالة الفلسطينية وفي ظل سيادة سياسة المراوحة في المكان، وسياسة الرهان على الوعود الفاشلة، يأتي ما كشفت عنه «إسرائيل اليوم» ليبعث على القلق.
ما زلنا في انتظار الحقيقة.
ومصدرها القيادة الرسمية الفلسطينية
بقلم/ معتصم حمادة