الشباب جزء مركزي وحيوي من المجتمع الفلسطيني وبالتالي فإن ما يجري في المجتمع ومع القضية الوطنية بشكل عام ينعكس على الشباب ثقافة وسلوكا ورؤية سياسية ،بل يكون الانعكاس عليهم أكثر من الفئات الأخرى ،وإذا أردنا الحديث عن واقع الشباب فنسبة الشباب (15-29 عام ) في المجتمع الفلسطيني تفوق 30 % و تصل نسبة البطالة بينهم إلى 45% ،وعندما يعيش هؤلاء الشباب في واقع الاحتلال والانقسام والحصار وغياب الديمقراطية والانتخابات السياسية منذ عام 2006 ، وعندما يتفشى الفساد والمحسوبية والزبونية وحكم العسكر ،وعندما يصبح هدف وأمل غالبية الشباب الهجرة خارج الوطن الخ ،فإن الحديث عن دور الشباب أو المطلوب منهم يتأثر بهذه المعطيات .
لا يعني ذلك الترويج لليأس والإحباط ولكنها محاولة لأن تكون مقاربتنا للموضوع واقعية قدر الإمكان وحتى لا يُحمل الشباب أكثر من طاقتهم ،أو تتم مقارنة ما بين دور الشباب الفلسطيني مع نظرائهم في الدول الأخرى .
نعم الشباب هم المستقبل من حيث سنن الطبيعة وتدافع الأجيال ،ولكن السؤال :أي مستقبل ينتظر الشباب الفلسطيني ؟وأي دور سياسي سيكون للشباب وتفكيرهم وثقافتهم تتشكل في ظل المعطيات التي أشرنا إليها ؟وهل النخب السياسية القائمة ستسمح للشباب بأخذ دورهم الريادي والقيادي ؟ .
أسئلة كثيرة تحتاج لإجابة وقد تبدو الإجابات غير مشجعة ،إلا أن ثقتنا بالشباب من خلال التجربة التاريخية لدورهم في المسيرة النضالية ومن خلال مشاهد مشرفة لنضالاتهم اليوم تتجدد دائما .
فمنذ تبلور الحركة السياسية الفلسطينية وتأسيس الخلايا الفدائية الأولى كان الشباب عمودها الفقري ،كما كانوا سبَّاقين عندما أسسوا رابطة طلبة فلسطين عام 1959 ،وعند انطلاقة الثورة الفلسطينية في منتصف ستينيات القرن الماضي كان الشباب ،وبفكر وممارسة شبابية ،مؤسسين ومبادرين وفي الطليعة عسكريا وسياسيا. كما كان الشباب قوة أساسية فاعلة في انتفاضة 1987 وفي انتفاضة 2000 وفي كل المسيرة النضالية لكل الأحزاب والفصائل ، حتى في ظل الانقسام برزت أسماء شبابية كثيرة ومنها عهد التميمي وعمر أبو ليلى ورفاقه من كوكبة الشهداء الذين فجروا ثورة الطعن والدهس منفردين ، والشباب الذين تصدوا لقوات الاحتلال في القدس وعلى بوابات المسجد الأقصى ، والشباب في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة ، والشباب في حراك (بدنا نعيش) في قطاع غزة ، وشباب الضفة الذين خرجوا في مسيرات ضد ممارسات السلطة وحدَّها للحريات الخ ، ومسيرات الشباب الغاضبة في مواجهة ورشة المنامة وصفقة ترامب لتصفية القضية الوطنية ،ولا ننسى حراك الشباب الفلسطيني في عام 2011 والذي تزامَن مع ما يجري في العالم العربي .
نعم هناك دور مطلوب من الشباب القيام به وهم بالفعل يقومون بدور متميز أهم من المشاركة في السلطة والحكم وهو مواجهة الاحتلال لأنه عندما يكون الشعب خاضعا للاحتلال فإن أهم مشاركة سياسية هي مقاومة الاحتلال ،وقضايا السلطة والحكم تأتي في الدرجة الثانية من الأهمية .
حتى على مستوى السلطة والحكم ومواقع اتخاذ القرار يجب أن تتاح لهم الفرصة من النخب الحاكمة التي تتمسك بمواقعها ولا تترك مجالا كافيا لجيل الشباب ليأخذ دوره في هذه المرحلة ،وخصوصا أن للشباب قدرة أكبر على الاستفادة من معطيات وتطورات تكنولوجية ومعرفية لم يمر بها أو يعرفها الجيل السابق الذي ما زال يُدير الحياة والنظام السياسي بنفس عقلية الماضي .
للأسف فإن الأحزاب الفلسطينية اليوم تتخذ من الشباب قاعدة جماهيرية فاعلة في عملية الحشد الخاصة بالحزب في مواجهة الأحزاب الأخرى أو في المواجهة مع المحتل باعتبارهم مشاريع شهادة ،ولكنها لا تمنحهم نفس الأهمية في القيادة واتخاذ القرار وهذا واضح في عدم تبوء الشباب مراكز متقدمة في هيكلية أغلب الأحزاب ،بل إن بعض المواقع القيادية العليا يشغلها الأشخاص نفسهم منذ مرحلة التأسيس قبل عقود وبعض حالات التغيير المحدودة كانت بسبب الوفاة .
يبدو أن هناك حالة من انعدام الثقة بين الأحزاب والشباب ،خاصة ممن لا ينتمون بشكل رسمي لها ، كما أن كل حزب وعندما يتعلق الأمر بتقديم المساعدات والمعونات المادية والعينية أو الوظائف يتعامل مع أنصاره أو منتسبيه من الشباب وخصوصا الأقارب والمقربين من القيادات ويتجاهل الآخرين ، وهذا يفسر قناعة الشباب بتفشي حالة من الفساد والتربُّح عند النخب السياسية ، والكثير من الشباب ينظر إلى الأحزاب كنخب عاجزة وفاشلة لم يعد لديها ما تقدمه .
ومن جهة أخرى فإن الشباب يُحملون الأحزاب المسؤولية عن التقصير بالاهتمام بالثقافة والهوية الوطنية ونقلها وتعزيزها عند الجيل الجديد من خلال قنوات التنشئة الاجتماعية والسياسية المتعددة ، وبدلا من ذلك تقوم الأحزاب بشحن عناصرها منذ الصغر بمعتقداتها وأيديولوجيتها التي لا تعير كثيرا من الاهتمام بالثقافة والهوية الوطنية ،وأحيانا تثير الكراهية والأحقاد والتعصب .
لقد قصرت الأحزاب في استيعاب الشباب في هيئاتها القيادية و لم تمنحهم دورا في القيادة والتوجيه بل تم إبعاد الشباب عن المشاركة في حوارات المصالحة . ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن فشل الأحزاب في إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام وفي التوصل إلى قيادة واحدة وإستراتيجية وطنية انعكس على الشباب سلبا حيث بات الشباب منقسمين ما بين أيديولوجيات هذه الأحزاب .
نتمنى على الشباب أن يأخذوا المبادرة في المصالحة ،فحيث فشل الكبار يمكن للشباب أن يجربوا مصالحة شبابية وهذا يتطلب منهم حالة من التمرد الإيجابي على أحزابهم وأيديولوجياتها لأن الانتماء للوطن ومصلحة الوطن أهم من الأحزاب وأيديولوجياتها المأزومة والفاشلة ،وإذا ما تصالح الشباب فهذا سيشكل حالة ضغط على الكبار .
أ-د/ إبراهيم ابراش