الإجراءات التي فرضها وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان ، لا زالت تتالى فصولاّ في المستويين اللبناني والفلسطيني . لبنانياً ، بالتوازي مع تدحرج ردود الأفعال على تلك الإجراءات بدأت تتشكل اصطفافات ، بين مؤيد ورافض لها . وتصريحات رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ، التي اتهم فيها حزب الله وحماس أنهما يقفان وراء تحريض المخيمات بقصد الفتنة ، وهذا ليس مصادفة ، بل مدرج في خانة تشويه المقاومة في لبنان ، والقول أن هناك أوادم وهناك سيئين في الساحة الفلسطينية . ليأتي بيان حزب الكتائب ليصب الزيت على النار ، حين اتهم المحتجين من أبناء المخيمات القيام بالعراضات المسلحة ، وهذا محض إفتراء وتحريض متعمد ضد اللاجئين الفلسطينيين ، ونبش في الماضي بصوره السوداء . مع ما رافق تلك التصريحات من مواقف عبرّ فيها أصحابها عن تأييدهم لإجراءات الوزير واعتبارها قانونية ، إلاّ البدايات لهذا التشكل على صورة استنساخ ما شهده لبنان قبل اتفاق الطائف الذي بدأ بالتلاشي مع مرور الزمن .
أما الرافضين لتلك الإجراءات وعلى الرغم من إظهار تعاطفهم وموافقهم المؤيدة للحقوق الفلسطينية ، إلاّ أن معظمهم يعلمون علم اليقين ، أن حل الموضوع ليس بيد وزير العمل ، الذي لا يتحمل وحده مسؤولية ذلك ، وإن كان هو ومن يمثل يتحملون المسؤولية الكاملة لجهة التوقيت السياسي الخطير المتزامن مع صفقة القرن ، والحديث عن التوطين في ظل الضغوط التي تُمارس من قبل الإدارة الأمريكية بهذا السياق . بل من يتحمل المسؤولية هي الحكومة اللبنانية التي تمتنع ومنذ العام 2012 عن إصدار المراسيم التطبيقية لتعديلات قانوني العمل والضمان الاجتماعي 128 و 129 . وهذا ما ذهب إليه وزير العمل السابق سجعان قزي على قناة الميادين ، محملاً تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري مسؤولية عدم إصدار تلك المراسيم التطبيقية . وهذا كلام دقيق وفي غاية الأهمية ، حيث يقودنا للقول ، طالما أن مجموعة العمل حول قضايا اللاجئين في لبنان برئاسة الدكتور حسن منيمنة رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني ، قد خلُصت إلى وضع رؤية حول الوجود الفلسطيني في لبنان منذ كانون الثاني 2017 ، أي منذ سنتان ونصف ، لماذا لم تطبق من خلال مراسيم خاصة . ومجموعة العمل مشكلة من ممثلين عن الكتل النيابية لكل من حزب الله ، وحركة أمل ، وتيار المستقبل ، والتيار الوطني الحر ، والحزب التقدمي الاشتراكي ، والكتائب اللبنانية ، وحزب القوات اللبنانية .
أما فلسطينياً ، لربما هي الضارة النافعة ، فقد أثبت شعبنا في المخيمات في رده على إجراءات الدولة اللبنانية ، أنه لا زال على عهده ووعده وخياراته ، التي لن يغادرها مهما غلت التضحيات وكبرت التحديات . وهو صاحب إرادة لا تعلوها إرادة عندما تمس حقوقه وتمتهن كرامته . وهذا ما تجلى بالتحركات التي لا زالت تعم المخيمات طالما بقي الغبن والظلم والحرمان سيف مسلط على رقابه . وهي فرصة يجب أن تتلقفها المرجعية السياسية للفصائل الفلسطينية ، أن شعبنا في مخيمات العزة والكرامة الوطنية ، تستحق منا جميعاً أن نوليها الرعاية والاهتمام والإحاطة لكل همومها ومشاكلها وما تتطلع إليه . وبالتالي العمل على إعادة الاعتبار لهم ولنخبهم وفعالياتهم ، والكف عن سياسة تهميشهم ، ودفعهم إلى المشاركة في إدارة شؤونهم من دون أوصياء من هنا أو هناك .
علينا الإبقاء على حالة التلاحم والوحدة التي طبعت المشهد الفلسطيني الرافض لتلك الإجراءات التعسفية المسؤولة عنها الدولة اللبنانية على مدار العقود السبعة الماضية . وعدم إظهار أي تباين من شأنه التسلل من خلاله للقول أن الفلسطينيين غير موحدين . وهنا لابد من توجيه اللوم والملامة لكل من عزام الأحمد وعزت الرشق ، في تجاوزهما للكل الوطني الفلسطيني في لبنان ، والتفرد في لقاء عدد من المسؤولين اللبنانيين ، كل عل حدا ، وكأنه التسابق بين فتح وحماس على جني المكاسب الفئوية التي لن يحققها إلاّ شعبنا وتحركاته من جهة ، ورؤية وطنية موحدة من جهة ثانية .
ختاماً علينا أن نفوت الفرصة على المتربصين بشعبنا ومخيماتنا ، من خلال عدم الإنجرار وراء الغزائز الشعبوية ، بعد هذا التعاطف الكبير المؤيد للحق الفلسطيني من قبل الأشقاء اللبنانيين . وكذلك إبقاء التحركات بطابعها الحضاري ، من دون التسبب بالأذية أو التعرض لأحد ، وتحديداً الجيش والقوى الأمنية اللبنانية .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني